منى بنت سالم المعولية
يرجح الطبيب والمؤرخ الفرنسي جوستاف لوبون في كتابه “سيكولوجية الجماهير” إن تأثر الفرد بالتوجه الجمعي قوي جدا حيث تغيب الأنا المفكرة وتبقى تلك السمات المكتسبة الخاصة بالمجموعة لتمضي وفق القرار المرسوم لها، وهنا يستطيع المسيطر الهيمنة على تلك الجموع اذا ما استطاع معرفة التأثيرات النفسية على تلك الجماعات؛ ومن هذا المنطلق فإن دراسة وتحليل وتفكيك ما يحدث حولنا مؤخرا من أراء عامة او بالمعنى من تحريض لتحريك الرأي العام وفق متطلبات وأهداف منفذيها، فإن الجماهير تنقسم إلى ثلاث فرق، فرق تتخذ قراراتها وفق المنطق والدراسة والمعطيات ثم انتظار تنفيذ الاستراتيجية المتبعة لإدارة الأزمة َونستطيع ان نعتبرها الطبقة المثقفة الملمة بالحدث وأبعاده وتأثيراته، ثم تأتي الطبقة التي ربما يحق لي أن أسميها بالهلامية وهي الفئة التي تكون على دراية واطلاع بما يحدث ولكنها تتشكل وفق أهداف معينة تطغى عليها الصفة التحريضية ويصعب التكهن بمدى نواياها؛ وتمتاز تلك الفئة بقيادة أفكار الجماهير وفق تطلعاتها وذلك من خلال مخاطبة العواطف الجمعية والتأثير عليها من حيث الجوانب التي تستثار بسهولة وكما هو معروف أنه بذوبان التفكير الفردي تنخرط العقول الجمعية باللاشعور وتكون سريعة الانفعال والحماس والغضب وهذا ما يريد المنفذون الوصول إليه.
تبقى الجماهير الغير ملمة والغير واعية والتي ربما لها من الأمر قشَوره او ربما لايكون، تأتي قوة تأثير هذه الجماهير من قابلية تفكيرها واستقبالها السهل للتحريض والتي تحركها الفئة المتوسطة وفق الأجندات المخطط لها، وبالتالي تكون بؤرة واسعة لحدوث التراشق والاتهامات بينها وبين الفئة الأولى والتي اسميناها بالمطلعة، مع ثبات الفئة المتوسطة بتغذية الشريحة الأخيرة واصطياد عثرات الشريحة الأولى وايصالها بطرق مشوهة او مبتورة أو نقل أنصاف الحقائق لضمان اشتعال فتيل المجادلات وبالتالي حدوث التأخر العام.
ونحن اليوم إذ نواجه كل تلك التفاعلات والتي قد يكون وجودها منطقياً أو غير مبرر احيانا إلا إننا يمكننا القول ان المنظومة الشرقية ككل والعربية بوجه خاص قد عجزت عن بناء أهم جزء وأساس وحدتها وهو تقوية وجود الإنسان والاهتمام بمتطلباته لإيصاله الى الوعي المطلوب بحيث تكون القرارات لديه وفق مراحل مدروسة ويتجاوز التلقين لتطغى صفة العقل الفردية على توجهات الجموع، حضارتنا العربية قد طورت من العمران وواكبت التطور الاقتصادي والانفتاح وحتى التطور الاجتماعي للوصول إلى الحداثة السريعة شكلا فقط لا اكثر، والتي ربما لبعض المفكرين العرب لهم دور فيها في نقلها نقلا تكميليا عاما دون الخوض في التفاصيل او المضمون، حيث لم يختلف الخطاب الفكري العربي كثيرا عن التلقينات العقائدية وكأنها تريد تطبيق الفكرة فقط ولكن ذلك كله للأسف يمكن نسفه وبسهوله لأنه بناء غير مكتمل إلا بتطوير ذات الإنسان، وحتى بمتابعة تخاريف الربيع العربي والثورات فلا تجد ان تلك الجماهير تتحرك من وازع الوعي إنما هي نتاج تصارع بين مجموعات يحرك كل مجموعة حزب يتسيدها في ما بعد أحدهم وليس بالضرورة أن يكون ذلك الحزب او الشخص يطبق مبادئ الديمقراطية بل على العكس قد نكتشف أنه طاغية جديد او فاسد اكبر اكثر من المطاح به وأول ما يعمله هو كبح جماح مناصريه وتقييد حريتهم وألسنتهم وكما اختصرها جورج اوريل في رواية مزرعة الحيوان ” ليبرالي اليوم طغاة الغد”
لذلك نقول ان الحضارة والوعي وبناء الإنسان هي من تحدد قيادة الرأي العام نحو الصحيح.