الكاتب: حسن بن عبد الله العجمي
حرص الإسلام في تشريعاته وتعاليمه المتعلقة بمسألة الزّواج وتكوين الأسرة الحرص الشديد على أن يكون رباط الزوجيّة الواقع بين الرّجل والمرأة بموجب عقد النكاح الشرعي رباطًا وثيقًا وقويًّا حفاظًا على علاقتهما هذه من الانحلال، وتفكك وانهيار الأسرة التي كوّناها.
وما توجيهه الرّجل والمرأة إلى أنْ يحسن كلُّ واحد منهما اختيار الآخر إلاّ لأنّ من أهم آثار ذلك هو استقرار ودوام الحياة الزّوجية بينهما، فلا استقرار لها إذا لم يتحقق التوافق بين الطرفين، وسكن كل واحد منهما إلى الآخر وارتبط قلباهما برباط المودّة والمحبّة، وشاعت بينهما الثقة، وعرف كل واحد منهما ما للآخر عليه من حقوق.
ولذلك فكل ما من شأنه أنْ يحقق هذا الغرض يكون أمرًا مرغوبًا من قبل الشرع الشريف، فلا بد للمرأة من أنْ تتريث قبل أنْ تعطي موافقتها النهائية على الارتباط بمن تقدم لخطبتها من الرّجال، وتنظر هل أنّه شخص صالح، وقادر على تحمّل أعباء ومسؤوليات تكوين الأسرة والمحافظة عليها وتوفير كافة مستلزماتها، والقيام بأمورها وشؤونها أم لا، لأنّ أيّ تقصير في هذا الجانب ستكون المرأة أحد المتضررين، وهي من ستجرح عواطفها ويحطم كبرياؤها، لا سيما في حالة انقطاع الرّابطة الزّوجية وحصول الطلاق بينها وبين ذلك الرجل الذي ارتبطت به وأساءت في اختياره.
وعلى الرّجل كذلك أنْ ينتقي المرأة التي يريد أنْ يقترن بها كزوجة، وأيُّ تهاون أو تقصير في هذا الجانب سيكون الرّجل هو المتضرر أيضًا كالمرأة فيما إذا لم يكتب لحياتهما الزّوجية الاستقرار أو البقاء.
فسوء الاختيار من أيِّ واحد منهما بـ «الاعتماد على المظاهر الخادعة والمؤقتة، والتّسرّع في الزّواج لإشباع الأهواء والرّغبات يؤدّي إلى تصدّع بناء الزّوجية، وانقطاع أواصر المحبّة بين الزّوجين» (1).
«ويعتقد المختصون في أمور العائلة أنّ الكثير من المشكلات والاختلالات العائلية تنشأ بسبب ضعف الاطلاع، والتسرّع وعدم القيام بدراسة وافية في مرحلة الاختيار، والثقة المفرطة في رأي الوسطاء، وعدم الاهتمام الكافي بنقاط الضّعف أو محاولة تبريرها، وتعظيم بعض الخصائص غير الهامّة، وعدم الالتفات إلى الخصائص الضروريّة، وأخيرًا الغفلة الاختيارية والانخداع» (2).
كما وسيكون الضحيّة أيضًا وبالدّرجة الأولى هم الأبناء، لما هو معلوم من الآثار السلبية التي يتأثرون بها بسبب الخلاف بين الوالدين أو انفصالهما عن بعض، «والواقع يثبت أنّ الاختيار الخاطئ الذي يحجب فيه العقل أمام عواطفه الجيّاشة أو حب المال أو الأصل أو المنصب ينتج أسرة هشّة سرعان ما تتفكك، والضّحيّة هم الأبناء» (3)، حيث سيكونون عرضة للإصابة بالأمراض والعقد النّفسية التي ستؤثر على حياتهم ومستقبلهم وصلاحهم واستقامتهم، فهم معرّضون للانحراف والجنوح أكثر من غيرهم فــ «لقد دلّت معظم الدّراسات أنّ الجانحين قد تربّوا في بيوت محطّمة بالانفصال أو الهجر أو الطلاق أو موت أحد الوالدين أو كلاهما»(4).
الكثيرون من الفتيان والفتيات «الرّجال والنساء» يتغاضون عن سائر المزايا والأمور التي ينبغي أن تتوفر في الآخر من التديّن والأخلاق وغيرها، ولا يعيرون ذلك أدنى اهتمام، ويكون تركيزهم على عنصر واحد أو عنصرين فقط، وأهم عنصر يكون التركيز عليه والاهتمام به هو الجمال، وهو وإنْ كان مطلوبًا من المرأة في الرّجل ومن الرّجل في المرأة إلاّ أنّه لا يكون لوحده كاف في استقرار الحياة الزّوجية ما لم تكن معه عوامل أخرى تدعمه وتعضده؛ من تلك العوامل التي من شأنها أن تكسب العلاقة الزّوجية استقرارًا وبقاءً.
والعنصر الثاني فهو عنصر المشاعر، وهذا العنصر قد يكون التركيز عليه من المرأة أكثر من الرّجل، بل قد يكون عند بعضهن مقدّمًا على الجمال، وأعني بالمشاعر ذلك الميل والارتياح والانجذاب الذي يكون عند المرأة لرجل معين، أو عند الرّجل لامرأة معينة، وهذه المشاعر وإنْ كانت مما ينبغي أنْ تعطى دورًا في مسألة الاختيار ولكنها لا تكون لوحدها كافية، فلا بدّ من توفر العناصر الأخرى أو بعضها، خصوصًا وأنها قد تكون مشاعر مصطنعة لا سيما من جهة الرّجل، فمن الخطأ أنْ ترتبط الفتاة بشاب لا تعرف عنه شيئًا لمجرد أنّه يبرز لها شيئًا من عواطفه ويعلمها أنّه يحبّها، فكم من فتاة انخدعت بكلام الحب والغرام الذي أبداه لها الرّجل، وظنّت أنّه يحبّها ويعشقها ويعيش الغرام والهيام فيها، فوافقت على الاقتران به ولم تتردد في ذلك أبدًا، وبمجرّد أنْ تم الارتباط بينهما وإذا به يسلك في التعامل معها أسلوبًا غير الذي كان يسلكه معها قبل ذلك، فحوّل حياتها إلى جحيم معتديًا عليها لفظًا وفعلًا، فلا تجد منه إلاّ السب والتعنيف والكلام البذيء والاعتداء الجسدي، غير مراع لحق من حقوقها.
فمنهن من صبر على تعامل الزّوج السيء معها، متحملة مس كرامتها وما لحقها ويلحقها من جرح لعواطفها وتحطيم لكبريائها، فعاشت حياة تعيسة غير هانئة، ومنهن من لم تتحمّل وطالبت بالانفصال والطلاق لتنقذ نفسها من المصير الأسود المؤلم الذي هي فيه، والذي أوصلها إليه ذلك الرّجل الذي أساءت في اختياره.
ثم إنّ مما ينبغي أخذه بعين الاعتبار في عملية اختيار كل واحد من الرّجل والمرأة للآخر أنْ يكون هناك توافقٌ بينهما في المستوى العلمي والثقافي، لأنّ أحد أسباب فشل العلاقة الزّوجية هو الاختلاف الثقافي والعلمي بين الزّوجين حسب ما صرّح به أغلب المعنيين بشأن العلاقات الأسرية (5).
وأنْ يكون هناك أيضًا تقارب في السن بينهما، ففي دراسة أجريت في جامعة «أتلانتا» في الولايات المتحدة خلصت إلى ارتفاع نسبة فشل الزّواج كلّما زاد فارق العمر بين الرّجل والمرأة.. فتقول هذه الدّراسة أنّه إذا كان فارق السن 10 سنوات، فإن نسبة الطلاق تصل إلى 39%، وإذا كان 20 عامًا فإن النسبة ترتفع لتصل إلى 59%، وأمّا إذا تعدى الفارق 30 عامًا فنسبة فشل الزيجات بين شخصين من جيلين مختلفين تصل إلى 72%.
فالأفضل لهما أنْ يتجنّبا كل ما من شأنه أنْ يؤثر سلبًا على حياتهما الزّوجية ويهددها بعدم الاستمرار والاستقرار.
وعليه فلا بدّ أنْ يكون المعيار في اختيار المرأة للرّجل والرّجل للمرأة هو الاستقامة في الدّين والخلق الحسن، وصلاح كل واحد منهما لتكوين الأسرة وما سوى ذلك من الأمور كالجمال والمال والنّسب والمستوى الدّراسي والمكانة الاجتماعية ونحو ذلك من الأمور التي قد تحرص بعض النساء على وجودها عند الرّجل، أو يحرص بعض الرّجال على وجودها في المرأة فإنّه لا مانع من رعايتها ولكن بشرط ألا تكون هي الأصل الذي يكون على أساسه يقع الاختيار، بحيث أنّه يقدم هذه على تلك، فلا يراعي الدّين ولا الخلق ولا قدرة الطرف الآخر وصلاحه لإقامة علاقة زوجيّة سليمة وتحمل أعباء تكوين الأسرة والقيام بمهامّه وواجباته الأسريّة.
المصادر:
(1) الزرّاد، المرأة والطلاق في المجتمع العربي والإسلامي، صفحة 313.
(2) حسين النجفي، الإسلام والأسرة، دراسة مقارنة في علم الاجتماع الأسري، صفحة 232.
(3) د. هيثم، مفهوم الإرهاب في الشريعة الإسلامية، صفحة 180 – 181.
(4) د. العيسوي، سيكولوجية الانحراف والجنوح والجريمة، صفحة 50.
(5) ولا يعني هذا أنّ كل حالة زواج اختلف فيها المستوى العلمي والثقافي بين الطرفين كان مصيرها الفشل وعدم الاستمرار، فهناك من الحالات ما كتب لها النّجاح والاستمرار، وعاش الزّوجان عيشة هانئة، وعلاقة زوجيّة سعيدة. وهناك حالات من العلاقات الزّوجيّة كان التوافق العلمي فيها متحققًا بين الزّوجين إلاّ أنّها فشلت وانتهت بالطلاق لأسباب وعوامل مختلفة.