سعاد علي العريمي
في مقالي الأخير المعنون بـ”بهرجة ليست من ديننا”، أبديت فيه رأيي بضرورة تكاتف أفراد مجتمعنا العماني المسلم، للقضاء على العادات الدخيلة في الزواج ومنها “البهرجة” التي ترافق مراحل الزواج، والتكاليف المالية التي تُرهق الزوج.
وأثناء مناقشتي لهذا الأمر مع عدد من أفراد المجتمع تبين لي أن هناك فئة كبيرة من شباب مجتمعنا توافقني الرأي وبشدة، حول ضرورة القضاء على هذه العادات الدخيلة التي لا يرضاها ديننا، وعلى النقيض هناك فئة أخرى تريد أن تكون مسايرة لهذه البهرجة كي لا يكون ابنه أو ابنته أقل من غيره، وفئة ثالثة تلتزم الصمت دون أن تحذو حذوهم.
وعطفا على المقال السابق، وددت هنا أن أتتبع أهمية النصيحة في الدين، والأسباب التي قللت منها في مجتمعاتنا، فعن أهمية النصيحة -وهي الإرشاد بالرأي لما يوافق ما أمر الله به ورسوله- هناك الكثير من الآيات القرآنية التي تدعو إلى أن نكون من الناصحين إن وجدنا ما يعرّض مجتمعنا أو أي فرد منه للخطر في أي وقت كان وفي أي مكان.
وتدل الكثير من القصص الواردة عن الأمم التي غضب الله عليها، أن الساكتين عن نصح مجتمعهم هلكوا معهم، ولم ينج إلا الناصحين لهم برحمة من الله، لأنهم أدوا دورهم في النصح محبة في كل من يمثل أمتهم.
لذا فإن النصيحة هي دليل الخيرية في المجتمع لقول الله تعالى: “كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه” آل عمران، وعلى كل مسلم أن يكون مبادرا للنصحية لأن هذا يدل على المحبة بين القائمين عليها والمستجيبين لها.
وقد كانت طبيعة النسيج الاجتماعي في المجتمع العماني قائمة على النصح من النواة الأولى للمجتمع وهي الأسرة بمفهومها الكبير وجذورها العميقة، التي تضم كل من الجد والجدة وأبنائهما وأحفادهم والأعمام جميعهم يعيشون في بيت واحد، وكان الجد هو القائم بدور القائد الناصح والمحب والمؤلف بين أفراد أسرته والذي يدفعهم للخير وينهاهم عن كل منكر وكل ما لا يتوافق مع عادات المجتمع.
ثم يأتي دور أهل الرأي السديد، أهل الحل والعقد المخوّلين بالقيام بمهمة النصح لجميع أفراد القرية أو الحارة، يعملون على جمع الشمل وكبح أي فعل يضعف المحبة والمودة بين أفراد مجتمعهم الصغير، وكان المجلس أو السبلة العمانية هو المكان الذي يتم فيه مناقشة قضاياهم وحل المشاكل بينهم والوعظ بما يتوافق مع الدين الإسلامي مستمدين قوة رأيهم من رجال الدين والعلم وذوي الحنكة.
ولكن هذا النسيج الاجتماعي تغير بتطور العصر وظروف عمل أفراده وتطور مستواه المادي، ونتج عن هذا الرخاء الاقتصادي تفكك الأسرة العمانية التي تعيش في البيت الكبير إلى أُسر صغيرة كل منها له بيته الخاص، ثم اختفت سلطة الجد والأب الكبير وتقلصت سلطة الآباء والأمهات، ليكون للإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي دورها الواضح في تربية أبنائنا وهم داخل بيوتنا.
لقد اختفى دور المجلس والسبلة العمانية إلى مكان لإقامة المناسبات فيه من أفراح وأتراح؛ ومعه اختفى دور أهل الرأي والحكمة ليكون كلٌّ ناصح نفسه، وظهرت في مجتمعاتنا قضايا كثيرة ناتجة عن عدم الصلة والمحبة والمودة بين أسرة التي تعيش متقاربة في المسكن ومتباعدة في التواصل فيما بينها.
إننا بحاجة إلى أن نسترجع المحبة العميقة بيننا كأسر عمانية، وبحاجة إلى عودة دور أهل العلم والحكمة في كل قرية لجمع شمل أفراد قريتهم ومناقشة كل جديد، وأن يستجيب لهم كل أفراد المجتمع لتزيد المحبة بينهم ويكونوا “الأسوة الحسنة” لغيرهم، وليصبح هؤلاء -أهل الحكمة والعلم- عونا لأعضاء مجلس الشورى والمجلس البلدي، ويكون الأعضاء بدورهم قريبين منهم ومدركين لأهدافهم وآمالهم، وساعين بالخير في كل قرية من قرى السلطنة، وأن يكون لهم اجتماع سنوي واحد مع أهل الرأي والحكمة في كل حارة وقرية من هذا الوطن الطيب “عمان”.
وفي النهاية، لنكن جميعا ناصحين لكل أفراد المجتمع على أرض هذا الوطن ومستجيبين لقيادته الحكيمة.
*الصورة من محرك البحث العالمي (جوجل)