سعاد علي العريمي
“إن كل شيء في الحياة إشارة، والكون مخلوق بلغة يفهمها جميع البشر، ولكن البشر نسوها إنني أبحث في جملة ما أبحث عنه من أمور، عن هذه اللغة الكونية ، ومن أجل ذلك، أنا هنا، لأنني يجب أن ألتقي رجلا يعرف هذه اللغة الكونية، وهو خيميائي”.
رواية الخيميائي لباولو كويلو ،ط36شركة المطبوعات للتوزيع والنشرصـ94
الخيميائي رواية للكاتب باولو كويلو، كثيرا ما سمعت عن شهرتها في الأدب العالمي؛ لذا سعيت لاقتنائها، وعندما بدأت في قراءتها، جذبتني بشخصياتها المتسمة بالهدوء “السلام الداخلي”، وبالبساطة حتى في عددها ومسمياتها التي اقتصرت على صفة كل شخصية في أغلب الأحيان”الراعي،الشيخ العجوز،الخيميائي…الخ. وهذا انعكس على مسار أحداث الرواية التي تشبه الأسطورة، فقد جاءت بنمط كلاسيكي، يخدم الهدف من الرواية والتي تريد أن تصل بالقارئ إلى حقيقة ثابتة، وهي أن النفس البشرية خلقت سليمة الفطرة “مؤمنة بالله”، ولها ارتباط روحي دائم بخالقها، وجميع ما في الكون إذا ما أصغينا إليه بعمق، يعبر عن حقيقة أن خالق هذا الكون هو واحد. وقد أورد الكاتب الكثير من العبارات التي تشير لهذه الحقيقة، ومنها :”كل ما في الكون كتب بيد واحدة”،ومن خلال أحداث روايته حاول أن يؤكد هذه الحقيقة التي تسكن لها جميع الأرواح من بشر وشجر وحجر ومطر وبحر وصحراء ، وهي أن الله هو خالق هذا الكون ، وعلينا أن نتصل به وبقوة في جميع لحظات حياتنا ،ونتقدم دائما بإنجاز نضيفه إلى هذا الكون. وقد أشار لذلك في عبارات عديدة ومنها :”إن من يلتزم عبور الصحراء لا يمكنه العودة على أعقابه .وما دمنا لن نعود إلى الوراء ،فينبغي لنا ألا نهتم إلا بأفضل طريق للتقدم إلى الأمام ،والباقي مرهون بمشيئة الله ،بما في ذلك الخطر..”،:”كل شيء مكتوب” صـ102
“عندما نرغب في شيء من أعماق قلوبنا نكون أكثر قربا من روح العالم ،إن لذلك قوة إيجابية “
هذه العبارات وجميع ما جاء في الرواية يدل على أن الكاتب كثير الـتأمل في هذا الكون بكل ما فيه ،وهذا التأمل أوصله للسلام الروحي “الإيمان بالله وحده”، وقد تجسد هذا السلام الروحي في الشخصية الرئيسة للرواية “الراعي “الذي تتبع أسطورته الشخصية من أسبانيا إلى أن وصل إلى الأهرامات في مصر ،في رحلة شاقة وشائقة في ذات الوقت، رحلة أهداه الله فيها أمور سخرت له؛ ليصل لحقيقة أسطورته الشخصية ،وهي أن كل منا لديه كنز ،وعليه أن يبحث عن كنزه في داخله ،ويسعى لإبرازه ،ولا يكون ذلك إلا بتجارب مريرة تصقل ذاوتنا وتظهر الكنوز التي بداخلها .وقد جاء اختيار الروائي لشخصية الخيميائي ؛لتكون عنوانا لروايته؛ لتدل على أن الحكم التي نتعلمها من تجاربنا الحياتية هي التي تصل بأرواحنا إلى السلام الداخلي الذي نبحث عنه، في ضوء صخب الحياة المعاصرة وكثرة التناقضات في النفس البشرية.
وقد أورد الكاتب مجموعة من المعارف من التراث العربي الإسلامي ، وقد دلت على إيمانه بالله ،وقراءته للقرآن الكريم المرجع الأول والأهم للدين الإسلامي، ومن الدلالات التي أكدت ذلك اختياره لشخصية الرواية الأهم “الراعي “وهذه المهنة، مهنة جميع الانبياء ،وأهمهم سيدنا محمد عليه أفضل الصلوات والتسليم ،الذي وصل إلى أن الله واحد من خلال تأمله في هذا الكون .وأقتبس الكاتب بعض قصص الانبياء كقصة سيدنا يوسف عليه السلام،وأورد الكاتب آية قرآنية ،قال تعالى :”قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له”سورة سبأ.وبأن “خلق الكون “هذا الإنجاز العظيم تم في ستة أيام.
لذا أثق بأن شهرة هذه الرواية جاءت من كونها تدل على أن الإيمان بالله والارتباط الدائم به في جميع لحظات حياتنا ،وكما يقول الكاتب:”اللحظة هي الحياة …لأنها ليست سوى اللحظة التي نعيشها ليس إلا”صـ110،هذا الإيمان هو الذي يرشدنا إلى إشارات تدفعنا إلى اكتشاف الكنوز التي وضعها الله بأنفسنا ،وهنا تتحقق ذواتنا واحلامنا وتستقر أرواحنا ؛لنصل إلى الطمأنينة والرضا بالحياة وأقدارها..وهذا ما يبحث عنه كل إنسان على وجه الأرض.
9/12/2019م