محمد عبده الزغير
هناك مثل الماني، يقول “إذا رغبت في ان تختبر انسانا ضع في يده سلطة”، وهذا المثل يبين لنا ان القادة والحكام يمكن قياس ادوارهم او جودة حكمهم، من خلال السلطة التي بين أيديهم، وما يحققونه.
ولن استعير من التاريخ القديم العربي أو العالمي أسماء لقادة حققوا مثل تلك النجاحات، تنتشر أعمالهم في ادبيات الموسوعات التاريخية، لكونها استقرت في الماضي. لكنني أجد، ان من نتحدث عنه، هو شخصية حديثة واستثنائية، صنع مجدا لشعبه في أصعب الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية المعاصرة، إنه جلالة السلطان قابوس بن سعيد –رحمه الله-، والاستثناء هنا هو في حكمته التي حولت بلد متعدد النزاعات وفقير إلى بلد مستقر ومتقدم، وتفرده باختيار مبادئ حكم حديثة (التنمية والمدنية والديمقراطية وحقوق الإنسان و…غيرها) وملامتها مع ظروف المجتمع العماني.
فقد عمل جلالته بعد النهضة المباركة، باستنهاض طاقات المجتمع وامكانياته، في تعزيز أسس البنى التحتية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حيث شهدت السلطنة في السنوات العشر الأولى، بناء عديد من المدارس والمستشفيات والطرق، الى جانب تعزيز السلام الاجتماعي الداخلي وتوفير الامن وتحقيق السلام. وتواصلت التنمية بخطى متسارعة خلال عقود الثمانينيات والتسعينيات، وحققت بذلك مستويات متقدمة في المجالات كافة. وترافق مع هذه الجهود إرساء تجربة الشورى التي أعلن جلالته عنها في أول خطاب له للمواطنين، وهو يستلم مقاليد الحكم في البلاد عن نهجه السياسي القائم على الديموقراطية المستمدة من تعاليم الإسلام ومن الإرث والقيم العمانية.
وبدأت ثمار هذا النهج بإنشاء “المجلس الاستشاري للدولة، مع صدر المرسوم السلطاني رقم 84/81، الذي مثَّل يومها نقلة نوعية باتجاه فتح المجال لمشاركةٍ شعبية، وفي التسعينيات من القرن الماضي شرع جلالته في تعزيز حقوق الانسان والديمقراطية، باعتبارها المكون المرادف للتنمية، وتم اتخاذ عديد من الإجراءات والتدابير المحققة لذلك بما في ذلك الممارسة الديمقراطية. ففي العام 1991 جاء انشاء مجلس الشورى، وكذلك صدور النظام الأساسي للدولة في العام 1996 الذي أرسي مبدأ الشورى ونظم كفالة حقوق الانسان في السلطنة. وخلال هذه الفترة انضمت وصادقت السلطنة على عدد من اتفاقيات حقوق الانسان الأساسية… وغيرها من الاتفاقيات الدولية والاقليمية. وترافقت هذه المنجزات مع سياسة خارجية متزنة، ساهمت فـي إرساء دعائم السلام والأمن والعدالة والتعاون بين مختلف الدول والشعوب.
وفي العقدين الأولين من الألفية الثالثة، احتلت السلطنة مواقع متقدمة في التقارير الدولية الخاصة بالتنمية البشرية، وفي التقارير الخاصة بمؤشرات السلام والأمن، وهو الأمر الذي يعكس الرؤية الثاقبة لجلالة السلطان قابوس في بناء عمان متقدم ينعم بالرفاه والاستقرار، وتحقيق التنمية في أسرع فترة، شهدت بها تقارير التنمية الدولية.
واستطاع جلالة السلطان تحقيق هذه المكاسب والإنجازات، والوفاء بوعده، ايضاً بفضل شعب عمان العظيم، الذي عمل بجهود متفانية نحو انجاز خطط التنمية بمعدلات نمو مرتفعة، وتحقيق نماذج متقدمة في السلوك الحضاري والسلمي.
*خبير شؤون الطفولة بالمديرية العامة للتنمية الأسرية بوزارة التنمية الاجتماعية