محمد المبارك خالد التيرابي
فُجعت الأمة حقًا بوفاة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -تغمده الله بواسع رحمته وألهم أهل سلطنة عمان الميامين والأمة الإسلامية بأسرها جميل الصبر والسلوان- فُجعت لاعتبارات قيادية جمة -ذات وقار سياسي- كان يتمتع بها، ولا يسعنا أن نذكر كل تلك الاعتبارات في عجالتنا هذه ولكن لا بأس من ذكر بعض السمات التي كان يتحلى بها من حكمة وهدوء وتعقُّل وفطنة في التعاملات والتداولات الخارجية والداخلية على السواء إذ كان حادبًا على أن يكون صديقاً للجميع بترسيخ سياسات حسن الجوار والعلاقات الثنائية المتوازنة مع الكل في ظل شطط البعض وارتجالهم وبعدهم عن التروِّي والحصافة السياسية!، فالكل يُهرعون إلى عمان ساعين الى الوساطة وإيجاد الحلول المُثلى والفُضلى بعدما يحار بهم الدليل، إذ يبدو ذلك جليًّا لافتقارهم إلى التحمُّل والمُداراة والخبرة الكافية والدراية المحيطة وبعد النظر الثاقب!!!
ولا أريد أن أتطرق لسياسته الداخلية إذ يعرفها الجميع عن ظهر قلب تلك التي جمعت ولم تُفرِّق وقرَّبت ولم تُبعد في ظل سنيِّ حكمه لخمسة عقود خلت.
فنحن العرب بحاجة إلى رجل مثله -رحمه الله رحمة واسعة- يأخذ بأيدينا إلى بر الأمان من خلال الرشد والتثبُّت الذيْن عُرف جلالته بهما في عالم مضطرب الأحوال عاصف الأهوال!
فمنذ نشأتنا لم نسمع عن سلطنة عمان إلا كل الخير في سعيها الدائب والحثيث إلى لمِّ الشمل ورأب الصدع وهذا ديدن شعبها الذي اتسم به على الدوام انطلاقًا من أخلاقه السامية الرفيعة التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم إذ يقول “لو أن أهل عمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك”،
فليس اللؤم وسوء المعشر من طبائعهم، لقد جُبلوا على نزاهة القول وعدم إيذاء الآخرين وهكذا كان دأب سلطانهم المحبوب الذي بكاه الجميع صغاراً وكباراً مواطنين ووافدين لما رعاه ووطدَّه من أخلاق وحسن تعامل في نفسه الطاهرة، وفي شعبه الأبيِّ الكريم.
تالله لقد طوَّفتُ في شرق البلاد وغربها ولم أجد أرضاً ترحب بالوافدين أيما ترحاب ويعيشون بين أهلها آمنين مطمئنين كسلطنة عمان الوادعة الحالمة، ولا غرابة في أن توافد الكثير من العرب عليها مؤخرًا ومنهم مستثمرون جاءوا ينشدون الأمن والاستقرار ولطف التعامل ودماثة التفضُّل بعدما تقطعت بهم الأسباب!!!
حدثني أحدهم بأنه يريد أن يمضي بقية حياته مستقرًا نفسيًا بمنأىً عن المساءلات والمراقبات المعلنة وغير المعلنة دونما سبب وجيه! إذ يشعر بالراحة والانشراح حالما تطأ قدماه أرض مطار هذه البلاد الفريدة المعطاءة بلا مِراء.
فسلطنة عمان تنعي في جلالة السلطان القيادة الواعية المستبصرة… المتعلمة والعالمة والمحيطة ببواطن الأمور … القيادة التي برهنت عليها الأحداث لردح ليس بالقصير من الزمن… قيادة تحتاجها الأمة حقاً كأنموذج ساطع، فلا عجب أن وقع خبر وفاته على الجميع وقوع الصاعقة فانهالت التعازي والتَّرحُمات عبر وسائل الإعلام التقليدية والحديثة حتى من غير العرب بلغاتهم وتعبيراتهم التي لا يشك أحد في صدقها -وإن كُتبت بلغة غير عربية- إذ لابد للمصدور أن ينفث ولا بد للحزين أن يرسل الزفرات من فداحة ووقع الخطب وجلل المصاب.
ولا ريب أن عمان لم تُنتكب وحدها بفقده وإنما اُنتكبت الأمة الإسلامية برمتها التي -كما ذكرنا سالفاً- بحاجة ماسة إلى القيادة الواثقة والرشيدة والمقنعة لتنتشلها من براثن الهموم والمصائب والفتن ما ظهر منها وما بطن!!!
ولا شك أن خلفه -الذي ارتضاه- بمثابة قيادة مؤهلة عن استحقاق بشهادة الجميع، وسيسير على خطاه في سبيل تأمين استمرار مسيرة التنمية والرخاء التي أطلقها ومكَّن لها السلطان قابوس رحمه الله رحمة واسعة وألهمنا في فقده جميعاً -عرباً ومسلمين- الصبر وحسن العزاء.
وهذه مشيئة الله في خلقه ولا راد لأمره. “وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون” صدق الله العظيم.
خبير استشاري في الإعلام التطبيقي والتطوير الذاتي والمؤسسي بخبرات دولية
taheel22@gmail.com