محمد المبارك خالد التيرابي
تظل الحاجة الماسَّة للتدريب التأهيلي الناجز بالغة الأهمية في أيامنا هذه في ظل التقدم العلمي المتسارع حيث تحرص الدول حثيثة التقدم على تقديم جرعات نافذة للمتلقين من أبنائها لمواكبة ما يجري من تطورات ومتغيرات متواثبة!
وفي البلدان “بطيئة النمو” يختلف الأمر تمامًا في كثير من جوانب التدريب التكسبي “الربحي” من قبل بعض المدربين الذين يمنحون شهادات من غير كفاءات فاعلة تبدو على مُخرجات المتلقين قولًا وإنجازًا مستقبليًّا!!!
ويقابل ذلك أن البعض لا يأبه كثيراً للتحصيل العلمي التطبيقي حيث همُّه الأول تمضية الوقت والحصول على شهادات “ورقية” في آخر المطاف كما سبق وأن أشرنا!!!
وهنالك دورات تقام في بعض البلدان كماليزيا مثلًا لضرب عدة عصافير بحجر واحد فبالإضافة إلى التحصيل العلمي التطبيقي، يتسنى القيام بزيارات ميدانية إلى بعض المؤسسات العلمية والصناعية فضلاً عن معاينة حياة الشعب الماليزي عن كثب، هذا عدا أن بعض الشهادات التي تقدم تُوثَّق من قبل مؤسسات ماليزية مرموقة بالإضافة للجولات السياحية التي تُرتب للمتدربين لاستكشاف بعض المناطق السياحية الرائعة.
وهنالك من يستفيد حقًّا من الدورات التدريبية بالاستزادة المعرفية المتطلبة، وكثير من المتلقين -بكل أسف- يعتبرونها نزهة عابرة لتمضية الوقت والتغيير في الفنادق الفخمة وإن كان ذلك على حساب الجهات الحكومية الراعية!!!
أذكر أن إحدى الفتيات المغرورات و”المدججة” بالألبسة الفاخرة التي لا تتفق مع راتبها الشهري ومكانتها الوظيفية ولا مع لسانها، كانت حاضرة وغائبة في آنٍ إذ إنها ظلت مشغولة تمامًا طيلة فترة الدورة التدريبية بالهاتف الجوال وحاولت أن أُثنيها عما تقوم به ولم تتقبل ذلك مطلقاً إذ اعتبرته تعديًا لم تألفه عند غيري من المدربين الذين يبدو أنهم لا يكترثون لمصلحة المتلقين وإنما هو نسق مضطرد حالما ينتهي بانتهاء الدورة!!!
ومنهم من يكتب “تقريرًا” سيئًا عن المدرب عند انتهاء الدورة لمجرد اختلافه معه أو عدم تقبله للنصح منه وذلك من قبيل الانتقام والتشفي فقط بحيث يمتدح من يُجاريه في عبثه ولو كان غير مؤهل، ويتحامل على من يكون واضحًا معه وحريصًا على رفعته وخير مستقبله!!!
ذكر لي أحد الإخوة أن كثرة المدربين غير الأكفاء كانت طامًّة كبرى على مستوى الأداء والنتائج في ظل تنفيذ كثير من الدورات “الربحية” عبر الحصول عليها بطرق تُسلك فيها بعض الحيل والأساليب الملتوية من قبل جماعات “الضغط والمصلحة” بحيث لا سبيل إلى الثقات الذين ينتهجون نهجًا نزيهًا ينأى عن التهمة والريبة فإذا لم يُجارهم المرء فلا حظ له في المشاركة بالعطاء وإن كان متفردًا وقيِّمًا!!!
وهنالك من المدربين من يعمد إلى الإمتاع الأدبي من حين إلى حين في ظل سحر البيان إذ “إن من البيان لسحرًا” فتأثير ذلك يكون كبيرًا على النفوس التي تنشرح لقبول المادة أكثر وأكثر، فلا بد من وِقفات ترويحية حتى لا يشعر المتدرب بالملل وبخاصة إذا كانت المادة جافة والمدرب أكثر جفافاً وتجوُّفاً!!!
وبعض المدربين -على قلتهم- محبوبون وسمعتهم الطيبة تسبقهم دائماً إلى قاعات التدريب ولهذا أثر كبير يتبدَّى في حسن الاستماع لهم بالأُذن الواعية والإصغاء بالقلوب البصيرة.
وتحبيب المواد لمتلقيها أمر ليس باليسير الذي يحققه المدرب أو المحاضر إذ يتطلب الأمر بجانب الإخلاص والجهد الذي يبدو جليًّا في التنفيذ… يتطلب كفاءات “شخصية” مُميِّزة وخبرات ميدانية كبيرة منها الالتزام بأساليب التشويق من حسن وبراعة التقديم، والمشاركة والاهتمام بحاجات المتدربين بعد تفهمها والتحفيز على الجهد الذاتي وغض الطرف عن الهفوات والزلات مع اختلاف المشارب عند البعض وفقًا لتركيبتهم النفسية وقدراتهم التأهيلية التي تبدو واضحة منذ الوهلة الأولى، وغير ذلك الكثير الذي لا يسع المجال لذكره.
فهنالك من المتلقين من يُمطر المدربين بأسئلة خارجة عن الصدد، أو تعجيزية لمجرد أنه يريد أن يُخالف ليُذكر، وفي الوقت ذاته لا يُركِّز على الأساسات ولا يدع غيره يُركز ويستفيد، وذلك في إطار من المشاغبة غير “المعلنة” التي تلبس لبوس العلم والبحث عن الحقيقة وهي أبعد ما تكون عن ذلك في واقع الأمر، وهؤلاء لا دواء لهم غير الصبر والمداراة حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا، من غير استثارة أو تعنيف أو توبيخ فالقصد هو الاستفادة القصوى الممكنة في ظل التطور الحالي الذي لا يعرف غير الأناة والتعقل عبر العمل الجاد المقنع والمُحدَّث، يقول الشاعر:
تأنَّ ولا تَضِق بالأمر ذرعًا
فكم بالنجح يظفر من تأنَّى
ولم يَفُتِ الفتى بالعجز حظٌ
ولا بالحزم يُدرك ما تمنى!
خبير استشاري في الإعلام التطبيقي، والتطوير الذاتي والمؤسسي بخبرات دولية
taheel22@gmail.com