الكاتب: حسن بن عبد الله العجمي
سمعت شخصًا يقول لآخر – وقد اشتكى الأخير من بعض سلوكيّات ابنه الخاطئة -:
“إذا أردت أنْ يتأدّب الصغير فعاقب الكبير”.
ولا يخلو أنّه أراد بهذا القول أحد معنيين، الأول: أنّ الطفل الأصغر إذا تصرّف تصرّفًا خاطئًا فعلى الأب أنْ يوجّه العقاب إلى أخيه الطفل الأكبر منه، واحتمال إرادة هذا المعنى ضعيف جدًّا لأنّه خلاف الحكمة، ولا يفعله ولا يقول به من له أدنى مسكة من عقل، فإضافة إلى أنّه مخالف لتعاليم الدّين (1) وأحكام القانون، وخلاف الأخلاق والأعراف السليمة لا يكون موجبًا لامتناع الصغير عن سلوكه المنحرف، بل إنّه سيتمادى في خطئه وتصرفاته المنحرفة لعلمه بأنّ العقاب سيطال غيره.
الثاني: أنّ الطفل الأكبر إنْ فعل سلوكًا خاطئًا فلا بدّ من معاقبته عليه، فلا يترك بدون عقاب، وأنْ يتم عقابه أمام أخيه الأصغر أو بعلم منه، لأنّ ذلك سيكون رادعًا للأصغر من ممارسة أيّ سلوك أو تصرّف سيء، فهو يريد أنْ يقول بأنّ توجيه العقاب إلى الأكبر بسبب تصرفاته الخاطئة يحدُّ أو يمنع الأصغر من ارتكاب الأخطاء أو المداومة عليها، فتوجيه العقاب لأخيه الأكبر يوّلد عنده حالة من الخوف من العقاب، فيمتنع عن فعل الأخطاء خوفًا من أنْ يطاله العقاب بسببها. ولا شك أنّه أراد هذا المعنى ولكننا لا نعلم هل أراد بالعقاب خصوص الضرب أو الأعم من الضرب وغيره؟
ولكن وإنْ كان توجيه العقاب لأحد الأبناء قد يوجد خوفًا عند الابن الآخر، إلاّ أنّ اللجوء إلى العقاب مباشرة واتخاذه الأسلوب والخيار الأوّل في معالجة السلوك الخاطئ للطفل خلاف ما عليه علماء التربية والنفس، لأنّ العقاب عندهم إنّما يُلجأ إليه بعد استنفاذ كافة الطرق التربويّة الأخرى، فقد تكفي في بعض الأحيان لمعالجة انحراف الطفل الموعظة أو الملاطفة الرقيقة أو كلمة زجر خفيفة أو غيرها دون الحاجة إلى التوبيخ أو الهجر فضلاً عن أنواع العقاب الأخرى من الضرب وغيره.
فعلى الأب أنْ يضع في الاعتبار أنّ هناك أساليب ومراحل يجب عليه أنْ يسلكها للتأديب، فقد يتم الغرض بها في تقويم اعوجاج الطفل وإصلاح شأنه، وإنْ اضطر إلى استخدام أسلوب العقاب بعد عدم جدوى الأساليب الأخرى فلا بد في هذه الصورة من اتخاذ ما هو أخف ضررًا على الطفل، ولا يجوز له اللجوء إلى الضرب، فلو أنّه لجأ إليه مباشرة كان متعديًا على الطفل وظالمًا له.
فالضرب ليس هو الوسيلة الصحيحة للتأديب لما يخلّفه في أغلب الحالات من آثار سلبيّة على الطفل ومنها أنّه يجلب له ألمًا شديدًا وكبيرًا ويشعره بالإهانة ويوجب احتقار شخصيته، ويجعله يعيش في حالة من الخوف والرّهبة وغيرها.
وما يظنّه بعض الآباء من أنّ الضرب قد حقق الفائدة المرجوّة منه فعادة ما يكون خلاف الواقع، فالطفل وإنْ اجتنب ارتكاب الأخطاء أمام والده خوفًا من أنْ يعاقبه بالضرب لكنّه في مكان آخر حيث يأمن الضرب والعقاب سيسلك السلوك الخاطئ فيمارس الأخطاء كعادته، حيث لم يخلّصه الضرب من سلوكياته غير المرغوب فيها، بل أثر فيه سلبًا، فما الفائدة أنْ يكف عن ممارسة سلوكه الخاطئ فقط أمام من يعاقبه عليها بالضرب ويمارسه حين يغيب عن نظره أو يأمن من عقوبته؟
“لا يعرف الأهل في معظم الوقت ما إذا كان الضرب يحقق الهدف المرجو، وذلك لأنّهم لا يلاحظون نتائجه على سلوك الطفل على المدى البعيد. إنّ العقاب لا يؤدّي إلاّ إلى جعل السلوك غير الجيد يستتر. أي أنّ الطفل يمتنع عن التصرف بشكل سيء أمام أهله ولكنّه لا يرتدع عن هذا التصرّف فعليًّا”(2).
ثم إنّ تعويد الطفل على الضرب يعتبر أكثر خطر من أيّة وسيلة أخرى من وسائل العقاب، فهذه العقوبة البدنية يمكن أنْ يعتاد عليها الجسم فلا تؤثر بعدها كثيرًا وحينئذ يفقد المربي كل وسائل التربية الأخرى الفعالة لأنّ من لا يتأثر بالضرب وهو من أقسى العقوبات فلا يؤثر فيه مجرد إرشاد أو توجيه ولا يثنيه عن التمادي في الخطأ هجر ولا توبيخ.
“يجب علينا أنْ لا نأخذ التأديب البدني كرد فعل على استفزاز أولادنا أو لشعورنا بالضيق، لماذا لا؟ بسبب الدرس الذي يعطيه، إنّه يعلّم الأولاد طرقًا غير مرغوبة في التعامل مع الإحباط، إنّه يعرّفهم بطريقة عنيفة بأنّه عندما تكون غاضبًا أو محبطًا لا تتطلع إلى حلول، اضرب، هذا ما يفعله أهلك.
بدلًا من استعراض إبداعنا بالتفتيش عن مخارج حضاريّة لمشاعرنا المتوحشّة فإننا نعطي أولادنا ليس فقط نموذجًا عن الغابة بل إذنًا بالضرب أيضًا) (3).
المصادر:
(1) قال تعالى: “وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى””. “الأنعام: 164”.
(2) التربية الذكيّة، صفحة 14، د. جيري وايكوف، باربرا يونيل.
(3) التربية المثالية للأبناء، صفحة 147، د. هايم جينو.