الكاتب: بدر بن سالم العبري
مما يحزُّ في النّفس، ويزيد الخلاف بين المتحاورين الدّفاع عن عالم قال كذا في كتابه كأن كفّرَ، أو لعنَ، أو سبَّ، أو قال قولا يخالف قواعد الشّريعة، ونحوها، من كافة المذاهب، وهنا سنرى أمرين:
الأول: الدّفاع أو الإساءة إلى أشخاص رحلوا إلى ربهم، والله متوكل بهم، ولا ندري لعلهم رجعوا عن قولهم، أو قصدوا به شيئا آخر، والأصل من فاض إلى ربه فالله أولى به، ولم يكلفنا الله حسابه؛ بل هذه مشاركة لله في حكمه، والأمر والحكم لله وحده لا شريك له.
الثّاني: غياب المشترك من الأرضيّة، فيبتعد الخلاف من مناقشة الفكرة إلى الدّفاع عن المذهب بالدّفاع عن شخوصه، وبالتّالي الابتعاد عن الفكرة وقد تغيب أصلا.
مثلا: لعن الخليفة الفلاني ، لو قال عالم في القرن الخامس من أي مذهب: فلان لعنه الله، ولا ندري هل قالها، أم أضيفت إلى الكتاب، أم قصد شيئا آخر؛ هو أفاض إلى ربه وعلمُه عند الله، والله عادل في حكمه.
والآن سنجد المتحاورين يتصارعان، هذا يتهجم على هذا المذهب بقول هذا العالم، مع أنّ من ينتسب للمذهب لا جرم لهم أبدا، ولا تزر وازرة وزر أخرى…
والثّاني يدافع عن العالم، ويحاول إيجاد له ألف مبرر، ولو كان أوهى من بيت العنكبوت، وقد يلجأ إلى السّب والشّتم والاستخفاف…
وعليه كما ترون الفكرة هنا غابت، والأرضيّة شبه منعدمة!!!
والسؤال ما الحل:
الحلّ: أن نضع الأرضيّة المشتركة أولا، مثلا: هل يجوز سبُّ الأموات ولعنهم، خاصة إذا كان مؤمنا مسلما …
إن اتفقنا على عدم جواز ذلك، فلنقل العالم الفلاني أخطأ إن كان ما قاله حقا نسبة، وعليه نختم الموضوع ولا نعطيه أكبر من حجمه، فنحن بنينا أرضيّة مشتركة والحمد لله تعالى، إذا لا خلاف بيننا.
وإن اختلفا في جواز ذلك، فلنناقش الفكرة، البرهان بالبرهان، قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، أمّا الأشخاص والمذاهب لا تحمّل بأفرادها، وعليه الحديث أولا عن الأرضيّة المبنية على الأفكار بين الجانبين.
ولو تأملنا جميع المذاهب لأدركنا أنّ كل مذهب لا يخلو من علّة؛ لأنّ المذاهب من صنع البشر، وليست وحيا من الله، {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}، وهذا دليل إلى حاجة الناس لكتاب ربهم هيمنة وتصديقا وفرقانا، ومن ثمّ نورا وهدى.
فلنترك الأشخاص لخالقهم، وليكن الحوار بالّتي هي أحسن؛ لأنّ المشترَك أكثر من المختلَف، والجامِع أكثر من المفرِّق.