وفاء بنت سالم
عدوي العزيز
لقد عدت إلى طنجة وهذه المرة لست برفقة أحد، كما أن الأماكن التي زرتها ونزلت بها تختلف .
كانت البداية في مساء الأحد بعد أن قضيت أمسية رائعة برفقة عبدالله و عمر وقبل ذلك صباح ماطر جميل برفقة الجميلة ختام ..
في المساء وبرفقة عبدالله توجهت إلى المطار وعلى المقهى جلست أشرب الشاي الأخضر بحثا عن دفء ، بعدها أنهيت إجراءات السفر وصعدت إلى الطائرة لتتوجه بي إلى مطار أبوظبي، إنها المرة الأولى التي أحط فيها في مطار أبوظبي، ويمكنني أن أقول لك قضيت ساعات الانتظار في المكتبة الصغيرة التي شعرت بأنها كانت في انتظاري .
لم تأتي صديقتي برفقتي هذه المرة كنت بصحبة وفاء ، الكتب، الأوراق والأقلام يمكنني أن أقول لك أنها رفقة آمنة مؤيدة.
وتستطيع أن تقول كُنا طيبين وسذجاً في رحلتنا الأولى ،فلا تزال رائحة البحر ،صوت النوارس، صفير القطارات، مواء القطط عالقة على طرف الحكاية ،وكانت قلوبنا خارطة البداية.
أُغادر غرفتي رقم 301 في فندق شالة، ألف عنقي بوشاح أبيض وجسدي بكنزة بلون الكركم الهندي، أقف وظهري للبوابة، استنشق الهواء البارد المبلل برذاذ البحث، واخذ يميني طريقي، امشي بخطوات سريعة نزولا للمشى البحري لأجدني في جزء آخر لم أزره مسبقًا..
إن الجزء الذي أسكنه الآن من طنجة جزء آخر وكأن أسبانيا بين يديك، أترك البحر خلفي اصعد الطريق المرتفع درجات تسبب لي وجع في ساقي لكني اتجاهله لأجدني في مكان يفترشه الباعة، ذاك يبيع سلاسل، واخر محافظ وملابس مستخدمة، وذاك يبيع فواكة في عيدان طويلة واخر تمور ومعجون اللوز ، تشدك رائحة اللويزة والبهارات، تستوقفك ألوان الشتاء هنا وهناك ووردة بزغت هنا وبرتقالة سقطت هناك.
مقهى العم ابو تيسير مغلق قيل لي أنه سافر لدمشق، ودمشق لا تزال في وعكة صحية طال زمانها.
أقف أمام احد الباعة، اشتر منه بعض الفواكة (برتقال، كاكا، كرز و مستعفل أفريقي).
وعلى المقهى المقابل له اطلب شاي اللويزة بالنعناع وعلى كرسي بارد أجلس أنظر حولي، يااااه كيف أن الصورة تختلف الآن، كيف أننا نحيا في كلِ مرة نغادر فيها طوفان التكرار.
لقد فهمت ما تعنيه حين قلت لي :يخنقني المكوث في مكان واحد لشهر بطوله.
ادفع ثمن كوب الشاي لاسرع بخطاي بحثًا عن سيارة أجرة تقلني لساحة المارينا حيث ينام قبالتها فندق المحررين..
الشتاء لا يشبه الربيع هنا
تختبئ الكلاب في صناديق خشبية وكرتونية، النوارس مبحوحة الصوت، وكأنه صوت أُنثى قدسية خانها الفجر ورمى بها القدر على رصيف الضياع.
على كرسي اسمنتي اجلس، نفس الكرسي الذي كتبت لك فيه قصيدة لا أعرف مصيرها كيف كان.
لا شيء ينجيني هنا من زحمة الذكرى لا عيناك ولا عربيتي الفصحى ولا شيء يُحيّ رجفة العذراء في فم الحوتِ.
عدوي العزيز
لقد وقفت على خشبة المسرح هنا مرتين، الأولى حين خاطبت وجوه الطفولة بشغف الولادة الأولى، والثانية حين تركتُني على مقعد حجري وبدلتني بأخرى تعرفني ولا أعرفها.
هذه المرة تمضغني طنجة يا عزيزي، تماما كما تمضغ الريح وجهي. تماماً كما يسقط الظل على وجه القصيدة ،ويُنسى صوت المطر ورائحة عطرك في قلبِ الحكاية.
لقد سُرق جلدي يا عزيزي، مذ حطت الفراشات على وجهي والنوارس على كتفي.
ومن حينها تجهش روحي بلغة تعرفني وتعرفك، ترميني بنظرة ضيق وتحضنك، وأنا في طنجة إمتلأت بكل أسئلة الغياب وحروف النجاة كأنني نجمة في أسطح بلا شمس.
فهل تُنجيني أسئلتي؟