محمد المبارك خالد التيرابي
يُطِلُّ الشرق الأقصى بثباتٍ وثقة وقوةٍ على العالم بأسره ليؤكد للجميع “أن لكل مجتهد نصيباً”، وأن مساهماته الاقتصادية والصناعية والتنموية والإبداعية بوجه عام نافذة شاء لها المنافسون الغربيون -وغيرهم- أم أبَوْا، وكأنما يردد قول العلامة محمد إقبال مستنهضاً همم أصحاب الماضي التليد:
أتشكو أن ترى الأقوامَ فازوا
بمجدٍ لا يراه النائمونا؟
مشَوْا بهَدْيِ أوائلكم وجدَّوا
وضيَّعتم تراث الأولينا
أيُحرمُ عاملٌ ورد المعالي
ويسْعَدُ بالرُّقيِّ الخاملونا؟
أليس من العدالةِ أن أرضي
يكون حصادُها للزارعينا؟
لقد كان للعرب الحضارمة والعمانيين والصينيين والهنود المسلمين وغيرهم من الدعاة والتجار القِدح المُعلَّى في إيقاظ الناس في جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا بالإسلام قبل نحو خمسمائة عام، حتى كان نتاج ذلك أكبر دولة إسلامية في العالم من حيث عدد السكان وهي إندونيسا التي بها أكثر من مئتي مليون مسلم… وكثير منهم يعرف القرآن الكريم حفظاً وتجويداً أو على الأقل قراءةً بصورة صحيحة أكثر من كثيرٍ من العرب أنفسهم -كما ذكر لي أحدهم- وبكل أسف!!!
ويعشقون العربية لغة القرآن أيما عشق ويتطلعون إلى سماعها بشغف بالغ، ويسمونها بلغتهم “بهاسا عقيدة” أي لغة العقيدة .
أذكر أنني ذهبت مع بعض الإخوة في جولة سياحية في بعض قرى الريف الماليزي كان ذلك عام ١٩٩٦م ، وعندما أدرك القوم أن اللغة العربية هي لغتي الأم ، وأن بوسعي أن أتكلمها بطلاقة طلبوا إليَّ طلباً غريباً حقاً وهو أن نساء المنطقة يردن أن يسمعنني وأنا أتكلمها! فجمعوا لي زهاء خمسين امرأة ووضعوا بيني وبينهن حجاباً وظللت اتكلم بالفصحى زهاء الساعة، وكنت أتوقع أنهن سيتوجهن إليَّ بالأسئلة في آخر المطاف ولكنَّ شيئاً من هذا لم يحدث إذ كنَّ يسمعنني ولا يفهمن ما أقول!!! ويكفي عندهن -تكريماً وتشريفاً- أنها لغة القرآن الكريم، وأنني قد شنَّفتُ أسماعهن بها وهذا غاية المبتغى وجزيل الوصال، ولكم تطرقت إلى هذه الحادثة في أحاديث كثيرة تذكيراً وترسيخاً!!!
أذكر كذلك أننا اخترنا خادمة إندونيسية لتعمل معنا في ماليزيا عام ٢٠٠٠م، وقد تفاءلنا باسمها “مسرورين”، وكانت لا تعرف كلمة واحدة بالعربية وكذلك لا تعرف الإنكليزية، وحديثنا معها في بادئ الأمر بالإشارة وكانت تشارك في حلقة التلاوة، وعندما جاء دور “العرب” أهل الدار أخطأوا في القراءة فقبلت ذلك على مضض ابتداءً، ثم رفضت السكوت على الخطأ فيما بعد، فما كان من صاحبات البيت إلا أن أمرنها بالسكوت بزعم أنها غير عربية لا تجيد قراءة القرآن الكريم!!! وصادف أنني دخلت البيت والجو متوتر فسألتهم عما يجري، وكان لهول المفاجأة أن كل ما ذكرته “مسرورين” الأعجمية كان صحيحاً على عكس أصحاب الدار العرب!!!
ومن يومها أصبحت الأعجمية “شيخة” العرب ومعلمتهم في القرآن الكريم!!!
والغريب أنها بدأت تتفاهم معنا بالعربية بعد ثلاثة أشهر فقط لتعلِّقها ويقينها التام بالعربية لغة القرآن الكريم!!!
فلا عجب أن يجزم المسلمون هنا أن النهضة الحالية عندهم كان للإسلام فيها دور متجذر لا يخفى على ذي بال، برغم تجاهل ذلك والعمل على طمسه من بعض التغريبيين و”المتأوربين” من المنسحريين والمنبهرين بالحضارة الغربية المادية الرعناء!!!
خبير استشاري في الإعلام التطبيقي، والتطوير الذاتي والمؤسسي بخبرات دولية
taheel22@gmail.com