منى بنت سالم المعولية
لا شيء يدفع الإنسان إلى التشيؤ بمقدار ما يفعله الاغتراب، الحديث عن المغتربين عن المهاجرين. (عن اللاجئين، عن العمال، عن البدون، عن الطبقة المهمشة) يعصف ذهنك تدريجيا لخلق شبكات من البؤس ونقاط متصلة ومنفصلة يقابل كل ذلك (الجوع، الفقر، القمامة، المقايضة، الجريمة) حين تكون روح المرء ميتاً أغلى منها حية، حين تكون غاية البقاء تبرر الوسيلة، لقد أصابتني دفاتر فارهو بالهذيان، فارهو أو فارح هما إسمان لشخصية واحدة هي بطلة الرواية وهي شخصية صبي نزحت من نير المخيمات في القارة الأفريقية إلى الجنان العربية، لتقتات على صدقة الجمعيات الخيرية، بلد فيه ربما تحصل معدتهم الفارغة بين أكياس قمامته عن بقايا الطعام أو أنصاف السكاكر، أو قد يجد فيه الطفل المحروم عن هيكل لبقايا لعبة مكسورة، بلد فيه يغري الطبقة المسحوقة على الحنق والبغض وربما القتل بدافع الإتجار متعذرا بالإنتقام يذر على حجته رماد الكرامة، إن الهجرات البشرية ممتدة منذ العصور الأولى ولايشعر بألمها غير أبناء الهجرات القاسية والمآسي. تجرنا ليلى في سرد عميق سهل ومتاح ولغة قريبة نحو الندوب التي لاتندمل، تتعمد خدش ذاكرتنا وهي تمر في أنفاق مظلمة بوجوه المغتربين الذين عرفناهم ومروا علينا دون أن نتبصر كثيرا بهم وبما كانوا يعانونه بيننا، أؤلئك الذين لم يكونوا أبطال سهراتنا وأؤلئك الذين كثيرا ما تتناسهم أوراق الصحف وأغلفة المجلات، باختصار لأنهم موجودون في باطن العدم من جزء التفكير الجمعي المتغطرس، ليت الأوطان لم تكن مسيجة بالحدود وليت كل حدود الأرض واحد، ترى كم منهم ارتدى أسمالنا حتى آخر يوم طفولة له، كم منهم سعى ليغير إسمه ودينه ونهجه لكي يبدو كأحد منا، هل أولئك الذين نوفر لهم وطنا كاذبا نقايضهم على طعامهم ونختار لهم أسماء تشبهنا ودين يمثلنا، وهل يا ترى هم يفعلون ذلك حقا عن اقتناع أم إنه مجرد وسيلة للعيش، فارهو خارج من السجن لايحمل سوى دفاتره التوثيقية، في الحقيقة هي سيرة ذاتية لشخصية هامشية بامتياز، ترى لماذا تقذف الأوطان بفلذات أكبادها؟ نعم لا أحدا يغادر وطنا متشبثا به؛ فالأوطان ليست تلك التفاصيل التضاريسية، ليست جبال ولا أرياف ولاتربة، بل الوطن هو المكان الذي تجد فيه روحك مع راحتك مكتوبة.