محمد المبارك خالد التيرابي*
ماليزيا التي عايشت أهلها أكثر من عقدين من الزمان مثال أمثل للالتزام بالعمل النوعي الجاد والصامت… المنتج والمبدع في آنٍ ، والذي ينعكس في تعلق طلاب العلم والسياح ورجال الأعمال الأجانب بها، وهي الدولة الناشئة والتي عمر نهضتها لا يتجاوز أربعين عاماً!!!
فقد يتساءل البعض في إصرار ما سر التوافد والتدافع الكثير على ماليزيا والذي يبدو جليًّا في زحمة مطاراتها ومؤسساتها العلمية ودور السياحة فيها؟ إذ لا شك أن ذلك بحكم الدوافع المقنعة للراغبين في معرفة واستمراء الحقيقة عن كثب، فبرغم الهنات والعقبات التي اعترضت سبيل النهضة التنموية الماليزية اقتصاديًّا وسياسيًّا في العقود الأخيرة، فأسباب التمكن والتمكين العلمي والعملي تبدو ماثلة للعِيان ولا تخفى على ذي بال متابعٍ دقيق، فالأمر أكبر من كونه تقدماً ونهضة “أسمنتية” -مُقلِدة ورتيبة- وحسب!!! ولكن سبق ماليزيا وتفردها في الجوانب التقنية والسيبرانية مثلاً مشهود، وهذا يقودني الى عام ١٩٩٩م، وبعده من أعوام، عندما أرسلتُ عديد التقارير المصورة لقنوات فضائية عربية رائدة كأول مراسل لها في شرق آسيا انطلاقاً من العاصمة كوالالمبور وذلك عن تفرد مدينتي سايبرجايا وبتراجايا الحديثتين فيما يعرف عنها بالمدن التي لا تستخدم الأوراق Paperless Cities، وماليزيا حينها تأتي -على الأقل- في المرتبة الثانية بعد وادي السيلكون الأمريكي في وسائل التواصل المتعددة المتعلقة بعلوم الحاسوب -كما أشرنا مراراً في سابق أحاديثنا- تبعاً لطموحاتها الوثابة التي أرَّقت الغربيين وأذهلت الشرقيين على السواء!!!
وكان لي شرف أن أكون أول من يتغنى -كمراسل تلفازي- عبر الأثير بالعربية التي يحبها الماليزيون المسلمون ويسعدون بسماعها وإن لم يفهموها!!! فهم يُطلقون عليها “بهاسا عقيدة” أي لغة العقيدة إذ لا يكتمل إيمان المرء ولا يترسخ إلا بعد معرفته باللغة العربية لغة القرآن الكريم وغوصه في أعماق أعماقها ليتسنى له فهم وتدبر كتاب الله الكريم والحديث النبوي الشريف ليزداد إيماناً فوق إيمان ويقيناً على يقين بتفرد الإسلام ودفعه للذات قدماً في سبيل الرفعة الهانئة والاستقلالية الحقة… الإسلام الذي يجهله الكثيرون من المسلمين فابتعدوا عنه وأبعدوا حتى قال أحد علماء المسلمين “الإسلام محجوب بمسلمي اليوم”!!!
من جانب آخر هنالك الكثير الذي لا يسع المجال لذكره في هذه العجالة من مقومات ومرتكزات مفطورة ومكتسبة تشيء ببلوغ المراد والكمال الأسمى لشعب أبيٍّ… أبى إلا أن يعانق الثريا والسماك الأعزل بمؤهلات غير حالمة جديرة بالوقوف عندها طويلاً بمنأىً عن الخوض مع الخائضين والمستهلكين الغافلين في جرأة مع سبق الإصرار … أصحاب الوهم الواهم في ظل عمليات التجميل والتهويل والتطبيل “على الهواء مباشرة”… المضحكة المبكية في آن!!!
فالتغني بمجدٍ لا يراه النائمون الواهمون ليس من شيم القوم هنالك! فالإنتاج قبل الاستهلاك والتخطيط قبل التنفيذ وهذه مسأله يرضعها الصبية مع لَبَان أمهاتهم -إن جاز هذا السبك- حيث يشب النشء على مفاهيم وعادات راسخة تدفع بهم إلى الأمام مستقبلاً ولا تعود بهم إلى الوراء والدليل على ذلك تلك النهضة الباهرة برغم ما اعتراها من عقبات، فلكل خطوة استعداد وتبصُّر، ولكل مشكلة حل بشيء من الصبر والمداراة والتثبُّت طالما هنالك استعداد مفطور ومتجذر كان نباته في الأصل طيباً بحكم أنه مدروس بعناية ويخضع للمعاينة الدورية والمتابعة المتيقظة.
فهنيئاً لهم بنتاجهم رائع الإنبات والإزهار والإثمار … هنيئا لهم بحصيلة الاجتهاد والتعاون المتصل الذي يستدعي الدراسة والإشادة والعظة على حد سواء!
* خبير استشاري في الإعلام التطبيقي، والتطوير الذاتي والمؤسسي بخبرات دولية
taheel22@gmail.com