الكاتب: ألكس إبستيان **
الترجمة: فاطمة ناصر ***
لا يعد النفط بنظري وقوداً للمحركات فقط ولكنه أيضاً وقود يحرك الإعلام والألسن. فهذا السائل الأسود يشغل الناس سواء ارتفع سعره أم أنخفض، وليس هذا فقط ولكنه يقاوم النقد الموجه له بنجاح كما يبدو – حتى الآن- فما سر ذلك يا ترى؟
يعتبر كثير من الناس أن الإستهلاك العالمي للنفط يعد نوعا ً من الإدمان والذي كما يبدو يصعب التخلص منه. فهو ليس كما يظن كثير من الناس وقود للمركبات ولكنه الطاقة المحركة لمعظم المنشئات الصناعية العملاقة التي تمدنا بالغداء ، وهو أيضاً وقود المعدات التي تسخرج لنا الكثير من المعادن والمواد الطبيعية الأساسية: كالحديد و الخشب واليورانيوم والغاز الطبيعي. ودون النفط كيف كنا سنبني المصانع والسدود والبيوت؟ وكيف نؤسس أي مبنى دون عوازل الجدران التي يعد النفط أحد موادها الرئيسية؟ وكيف نؤثث البيت ؟ فحتى السجاد يدخل النفط في صناعته. ولعلك أيضاً لم تفكر بالمحاصيل التي تستهلكها في طعامك كيف سيكون شكلها وكميتها دون النفط الذي يدخل في صناعة المبيدات والأسمدة ، فهذه المحاصيل دون هذه المواد ستكون ضئيلة ولن تشبع بطون ملايين البشر الذين يسكنون هذا الكوكب. فنحن ننسى أن ما من بديل حالي للنفط الذي يعد الطاقة : الأكثر أماناً ، و الأسهل نقلاً ، والأنسب تكلفةً.
وعلى الرغم من كل ماذكرناه لازال منتقدي النفط يعتبرونه أدماناً سرعان ما تنتهي نشوته لنرى أنفسنا والدمار يحيط بنا. في حججهم يقولون أن مصير الإقتصاديات القائمة على النفط الإنهيار كونه يعد مادة ناضبة ستنفد يوماً ما. كما أن النفط المستورد من بلدان العالم الثالث من أهم أسباب الأرهاب. كما أن كونه وقوداً أحفورياَ سيسبب العديد من الكوارث المناخية.
في الآتي سنتناول 3 من الخرافات الشائعة حول النفط؟
الخرافة الأولى: لأن النفط ناضب لا محالة ، فسوف ينفد مخلفاً تدمير الإقتصاد.
وحولها نستشهد بتصريح قاله المسؤول الجيولوجي لولاية بنسلفينيا الأمريكية عام ١٨٨٥ : ” أن هذا الظهور المذهل للنفط ليس سوى ظاهرة مؤقتة سوف تختفي ”
الحقيقة : تتوفر كميات هائلة من النفط لا تستطيع تخيلها ، أما بدائل النفط فسنعتثر عليها حتماً قبل نفاده بمدة طويلة بفضل ما يوفره السوق الحر الحالي من مقومات.
الدرس التاريخي يثبت أن أداء النفط يسير في مسار مستقر وثابت. وبالأخذ بإدعاء بعض العلماء والإقتصاديين بشأن نفاد النفط وتدميره لنا. يمكننا القول بثقة : لن يحصل هذا الأمر. لماذا لا ؟ ببساطة لأن القانون الذي يحكم السوق يقول في حالة زيادة الطلب أو ندرة المنتج فإن الأسعار سوف ترتفع وهذا الإرتفاع بدوره سوف يحفز تلقائياً رواد الأعمال في البحث عن وسائل أفضل لإستخراج المزيد من النفط وإيجاد أفضل التقنيات لتحديد مكان وجوده أو حتى للبحث عن مصادر بديلة تحل محله. فالنفط بذاته كان أمراً مستحيلاً في الماضي واليوم أصبح من الممكنات. ويمكننا القول بثقة أن رواد الأعمال سوف يتخلون عن النفط فور إكتشافهم لبديل أرخص سعراًعنه . على سبيل المثال : لقد تم التخلي عن النفط والإستعاضه عنه بالغاز الطبيعي والفحم كمصدر لتوليد الكهرباء. كما أن أرتفاع سعر النفط وطول خطوط نقله من مكان لآخر والمشقة التي تتبع هذا الأمر سيحفز رواد الأعمال على العثور على بدائل واعدة قد تكون من الغاز الطبيعي أو من الطاقة النووية أو حتى من تقنية لازالت قيد التطوير. سيفعلون ذلك بلا شك والأمر الوحيد الذي سوف يمنعهم هو تدخل الحكومات إن قامت بوضع العوائق أمام هذه البحوث أو أمام التنقيب الساعي لإستخراج مصادر جديدة أو من خلال تغيير عوائد السوق الحقيقية بإتخاذها سياسات الدعم الخاطئة.
وخلاصة القول أن التهديد الحقيقي يتمثل في مثل هذه السياسات الحكومية وليس بمحدودية ونفاد مصادر الطاقة.
الخرافة الثانية: الحد من إستخدام النفط المستورد سوف يساعد على القضاء على الإرهاب.
عن هذا الأمر نشرت صحيفة نيويورك تايمز بقلم توماس فريدمان عام 2004 مقالاً نقتبس منه الجملة التالية: ” إذا تبنى الرئيس بوش المشروع الإصلاحي اللامسبوق والمتمثل في تحرير وإستقلال الطاقة من محتكريها الحاليين سوف يساهم ذلك في تجفيف مصادر تمويل الإرهاب وسوف يجبر إيران وروسيا وفنزويلا والمملكة العربية السعودية على أن يسلكوا جميعهم طريق الإصلاح”
الحقيقة : يمكن مواجهة الإرهاب بطرق أكثر مباشرة عوضاً عن أن نسلك هذا الطريق الشاق الذي سوف يجبرنا على تعذيب أنفسنا أولاَ بحرماننا من مصدر حيوي وأساسي نحتاجه بشدة كالنفط.
يستفتح الذين يتبنون خطاب تحرير الطاقة بجملة مفادها أن دولاً كالسعودية وإيران تستخدم عوائدها من النفط في نشر الأفكار الإسلامية المتطرفة و تمويل الإرهاب حول العالم. و تحرير الطاقة الذي يدعون إليه يجعلنا نتخلى عن ما يعادل الثلثين من إنتاجنا النفطي والذي يباع في السوق العالمية!. فإذا كانت أموال إيران ( على سبيل المثال) هي المشكلة فببساطة لماذا نقوم بقطع هذه الأموال مباشرة عبر حشد عالمي إقصادي يهدف لمقاطعة إيران وليس عبر مقاطعة النفط المستورد بشكل مطلق؟! لماذا نتخلا عن حصلتنا في السوق النفطي والبالغة الثلثين ونحن في حاجة ماسة إليها في تضحية إقتصادية كهذه؟!
الخرافة الثالثة: بسبب ثاني أكسيد الكربون الناتج عن حرق البترول يتوجب علينا الحد من إستخدام هذا المصدر الملوث المميت وإستبداله بمصادر ( خضراء) للطاقة.
حول هذا الأمر قال أوباما عام ٢٠٠٧ م ” كرئيس سوف أسعى إلى وضع سقف محدد للإنبعاثات الكربونية ، هذا السقف المحدد سيحقق أمنيات العلماء الطامحة إلى تقليل الإنحباس الحراري ا بنسبه 80% بحلول عام 2050 ”
الحقيقة : السقف الذي سيوضع للحد من الإنبعاثات الكربونية أكثر ضرراً من الإنحباس الحراري. كيف ؟ سأقول لكم :
الوقود الأحفوري الحالي يوفر ما مقداره 86% من الطاقة العالمية ، وهذه الطاقة هي السبب في إرتفاع معدل الأعمار في البلدان الصناعية إلى 80 سنة بينما ينقص هذا العمر في البلدان الغير صناعية ليصل إلى 40 سنة فقط. وعلى النقيض نجد أن مصادر الطاقة ( الخضراء ) كالرياح والطاقة الشمسية لم تستطع إنتاج أكثر من 2% من إحتياج الطاقة العالمي على الرغم من مرور 3 عقود من الدعم العالمي لها. والأمر الآخر هو غياب أي دليل يثبت أن هذه المصادر الخضراء ستستطيع مجتمعة إحلال الطاقة الحالية اللازمة لتحريك العجلة الصناعية ، وأن تكون طاقة ذات وفرة وتركيز مادي يؤهلها لتكون طاقة يعتمد في الصناعات العالمية بدل النفط.
في الوقت الراهن نحن نحتاج ولمدة عقود قادمة إلى كميات هائلة من الوقود الأحفوري خاصة النفط ، وأي حد له سوف يعود بنتائج كارثية على البشرية تفوق بكثير تلك التي يسببها الإحتباس الحراري ( إن وجد هذا الإحتباس في الأصل). ومن المؤسف أن الإستسهال في الحديث عن كارثة التغيير المناخي أدت إلى إقصاء الحقيقية المتمثلة في أن الطاقة الصناعية الحالية تحمينا من المتغيرات المناخية وتساهم في جعل الكوارث أقل كارثية وضرراً.
مثال: في أمريكا نقوم بري الصحاري لتصبح أماكن مرغوبة في العيش ( كجنوب كاليفورنيا و لاس فيغاس ) بينما في إفريقيا يموت الآلاف بسبب الجفاف وذلك في ظل غياب الرأسمالية وغياب الطاقة الصناعية. فالملايين يموتون هناك سنوياً بسبب غياب الكهرباء والأمراض المميتة التي يسببها حرق الخشب وروث الحيوانات الذي يستخدمونه للحصول على الطاقة. هؤلاء البشر لا يحتاجون معدل حراري معتدل في العالم هؤلاء ونحن نحتاج الرأسمالية وماتوفره من طاقة رخيصة خاصة إكسير الحياة ( النفط).
*نشر هذا المقال في مجلة فوربس الإقتصادية https://www.forbes.com
**ألكس إبستيان Alex Epsteinى متخصص في شؤون الطاقة وهو زميل مشارك في مركز أين راند Ayn Rand Center وهي مؤسسة بحثية- فكرية غير ربحية . له عدة كتابات تجدونها في مدونة أصوات من أجل المنطق والتابعة للمركز أين راند Voices for Reason.
***فاطمة بنت ناصر
البريد الإلكتروني
F_wahaibi@hotmail.com
كاتبة ومترجمة من سلطنة عمان، مهتمة بإثراء المحتوى العربي على الإنترنت، تخصص ترجمة وإعلام جديد (الحكومة والمجتمع)
تويتر : @f_bint_nasser