محمد المبارك خالد التيرابي*
من مُعيقات المضي إلى الأمام بخطىً ثابتة ومُطَمْئِنة العادات السيئة التي درج البعض على التمسك بها كأمرٍ لا مفرَّ منه بحيث يغدو السعي إلى اجتثاثها معضلة المعضلات! ومنها الغلو في المجاملات والإسراف في المناسبات عند أكثر القوم في كثير من الدول وهو أمر تصعب السيطرة عليه ناهيك عن العمل على تغييره!!! وقد حاول المصلحون على قلتهم وشح تحفظاتهم أن يُثنوا المبذرين والمسرفين عن ذلك ولكن دونما جدوى فالأمر مُستفحِل في النفوس أيما استفحال. ولنأخذ مثالاً عابراً في هذا الصدد إذ ما يُهدرُ من طعامٍ متبقٍ من الولائم يكفي لإشباع الملايين من الجوعى في العالم!!! وكان الأحرى بالمصلحين الغيورين على مصالح الآخرين أن يعقدوا المؤتمرات وأن يقيموا الندوات والدورات التدريبية في هذا السبيل توعيةً وحثًّا على التوسط والاعتدال على أقل تقدير، علماً بأن الإصرار على الإسراف المذموم يؤدي لإثقال كواهل الكثيرين بالديون ويورطهم في مصائب لا قبل لهم بها، ويُنفِّر الشباب -مثلاً- من الإقدام على الزواج في الدول الفقيرة والغنية سواءً بسواء؛ حيث ارتفعت معدلات العنوسة إلى أرقام قياسية لا يقبلها والدٌ عاقل أو أمٌ حانية، حتى تكاد أن تنتفي الرحمة عند البعض فهم يصولون ويجولون بقلوبٍ من حديد!!! هذا في ظل مجتمعات يجزم البعض -غلوًّا وجهلاً- أنها محافظة ومتزنة … ولكن هيهات هيهات! فهي مجتمعات في معظمها تخشى الناس والله أحق أن تخشاه، كل ذلك بغية الظهور بالمظهر اللائق أمام الأقرباء والأصدقاء والذي يُحتِّمه -عندهم- “الواجب” ضاربين بعرض الحائط كل الثوابت والقيم الفاضلة التي يحث عليها الدين ويرتضيها العقل السليم!!!
وقد يتساءل البعض لماذا الحرص على تبني تلك العادات والتقاليد اللئيمة والذميمة وسط بيئة يعيش الناس فيها لغيرهم أكثر مما يعيشون لأنفسهم، وقد ارتضَوْا ذلك كمنهج حياة من العسير التخلي عنه؟ وهل الأيام وحدها كفيلة بالتغيير إلى الأفضل والأمثل، وليس علينا إلا أن ننتظر وننتظر في لهفةٍ وترقب؟!!
ما جدوى الإنفاق المُغالى فيه على الكماليات دون الضروريات، وما هي الدوافع النفسية التي تعصف بالبعض حتى يَرِدوا موارد الهلاك المُعلن في وضح النهار من غير تخطيط سليم وتبصُّر يستشرف المستقبل في تحوُّطٍ وحذَر؟!!
إن سطوة المظاهر والمفاخر المدمِّرة هذه جعلت البعض يغطُّون في سُبات عميق بحيث لا يكادون يعُون عواقب ما يجري حولهم، أو كأنما يُساقون الى حتفهم وهم ينظرون، مع إدراكهم لذلك جيداً وليس ثمة ما يردهم إلى صوابهم في ظل “ضوابط” صارمة توارثوها أباً عن جد لا محيص من تركها!!!
هذا عدا إهدار الوقت بإطالة زمن اللقاءات والزيارات… بالخوض مع الخائضين واللهو مع اللاهين دونما حياء وتورُّع حتى وصف أحد المفكرين المسلمين الغربيين مجتمعاتنا ب”الاستهلاكية” غير المدركة لقيمة ما يُعرف بضبط أو إدارة الوقت، في إفراط مخزٍ وتفريط مؤذٍ يبدو أثرهما السالب ماثلاً للعيان على مسيرة التطور والرفاء الاجتماعي حتماً مقضياً!!!
ولعل مردَّ ذلك إلى اللامبالاة التي يعود أكثرها إلى قلة التدين أو بالأحرى إلى ضعف الوازع الديني إذ يدفع المرء إلى الشطط والتهوُّر وازدراء موازين ونظم الحياة المُثلى في تخبطٍ آثم يعاني منه أحياناً الأبناء قبل الآباء جراء الظلم غير المقصود لذاته!!!
إذن لا بد من إعادة النظر مليًّا في كثير من الأمور غير المنطقية وغير المقبولة حتى تستقيم الحياة بعودة “الجانحين” إلى رشدهم بمنأىً عن الغلوِّ الشائن والإسراف البغيض!!!
يقول الله تعالى:
“ولا تجعلْ يدك مغلولةً إلى عُنُقِك ولا تبسطْها كلَّ البسطِ فتقعدَ ملوماً محسوراً”. صدق الله العظيم.
*خبير استشاري في التدريب الإعلامي والتطويري الذاتي والمؤسسي بخبرات دولية
taheel22@gmail.com