محمد المبارك خالد التيرابي*
يحظى الاستثمار داخل الإنسان أو ما يُعرف بتنمية وترفيع الذات باهتمام الدول باهرة النمو من خلال السعي إلى إيجاد طرائق مُثلى لبناء العقول وترقيتها عبر الأيام، وهذا يتطلب جهداً جباراً وغيوراً من المسؤولين النابهين وأصحاب القدرات الموهوبة بعيدة النظر Farsighted لابتكار سبل ترتفع بالأمم على وجه السرعة في زمان الذكاء الصناعي… وفي إطار ما يعرف بالثورة الصناعية الرابعة التي ترمي إلى تحسين كفاءة الأعمال والمؤسسات وإيجاد بدائل تقنيَّة وتواصلية فُضلى تصب في صالح البشرية جراء العمل على التخفيف من المعاناة والمكابدة ما أمكن.
وما يعنينا هنا كيفية التنمية الذاتية المرجوَّة على شاكلة الدول التي حققت قفزات علمية رائدة بفضل تفعيل الموارد البشرية الخلاقة القادرة على تقديم الجديد والمفيد، إبداعاً وإشباعاً.
وأول عامل مساعد في ذلك الاستقرار السياسي والغيْرة الوطنية بمنأىً عن النزاعات السياسية والعسكرية المُعيقة لمسيرة البناء والتطوير، حيث يتهيأ الجو الملائم للمضي قدماً في طريق الابتكار . هذا عدا قابلية واستعداد شعبٍ ما للتفاعل مع المتغيرات المتطلبة بعدما يقتنع بجدوى نفعها عاجلاً أو آجلاً فيعمل في صمت وهدوء لتحقيق ما يصبو إليه يحدوه في ذلك الأمل المشفوع بالتفاؤل دونما تقاعس أو تخاذل، يقول الشاعر:
أُعللُ النفسَ بالآمال أرقُبها
ما أضيقَ العيشَ لولا فسحةُ الأملِ!
ومن العوامل المساعدة الجاهزية المفطورة للتعاون المثمر طبقاً للعمل الجماعي الجاد والمستمر بالاستفادة من التقدم التقني الراهن ومدى إمكانية المساهمة العلمية فيه أخذاً وعطاءً.
وأيضاً روح التحفيز والتشجيع إذ تعمد الدول المستنيرة إلى إغراء واستقدام الأدمغة النيِّرة باختلاف ألوانها وألسنتها وتوفير كافة التسهيلات لها ولأُسرها لتتفرغ إلى مزيد من الإبداع العلمي بعدما تشعر بالأمن والاستقرار النفسي.
وفي بعض الدول يعتبر تعدد الأعراق أمراً بالغ الأهمية إذ يكون دافعاً للمنافسة الشريفة عندما يدلو كلٌ بدلوه بحكم تلاقح الرؤى وتزاوج الكفاءات والخبرات الطموحة في سبيل تأمين النجاح المبتغى كما هي الحال عليه في دول كماليزيا مثلاً.
ولا شك أن للثروات الزراعية والحيوانية والمعدنية وغيرها دوراً مهماً كذلك في التسريع بالتطور التنموي من قبيل الاكتفاء الذاتي بعيداً عن الضغوط السياسية الخارجية والداخلية المدسوس منها والمفتعل، سرًّا وعلانية!!!
وتُولي بعض الدول أهمية بالغة للبحوث إذ تخصص لها نصيباً موفوراً من الميزانية العامة وتوفر للباحثين فرص البحث على اختلافها وتحفِّز المتميزين منهم لمزيد من البذل والاستقصاء. فمثلاً نسبة ما يُخصص للبحوث العلمية في إسرائيل من الميزانية العامة يفوق مجموع المخصصات للبحوث العلمية في الدول العربية قاطبة، وذلك في فترة من الفترات!!!
في حين أن بعض الدول “المُعطَّلة” لا تُلقي بالاً للبحوث العلمية مطلقاً، إذ تعمد لاستيراد كل شيء حبًّا في الاستهلاك فقط دونما تخطيط ثاقب يستشرف المستقبل ويُعد له العدة!!! فيصاب البعض بالخمول العلمي والترهل الذهني من غير أن يكترثوا للجديد السديد في غمرة اللغط العقيم والتخبط الذي يراوح مكانه بكل أسف والذي يعود -حتماً- عليهم وبالاً وخيماً !!!
هذا عدا التصدي للركود العلمي الذي يبدو في كثير من المؤسسات التعليمية الجامدة التي تعنى بالوفرة لا النوعية… وتمنح الشهادات لا الكفاءات!!! وذلك من خلال معالجة كثير من مناهجها النظرية السردية المتراكمة التي يصعب استيعابها وتطبيقها مستقبلاً … معالجة الهوَّة التعليمية المخيفة في بعض الدول، تلك التي تبدو على أداء بنيها المحدود والهزيل في غفلة من القيِّمين على الأمر !!! ولكم أشرنا في أحاديث سابقة إلى هذا الأمر ترسيخاً لأهمية تداركه على وجه السرعة قبل فوات الأوان!!!
*خبير استشاري في التدريب الإعلامي والتطويري الذاتي والمؤسسي بخبرات دولية
taheel22@gmail.com