وفاء بنت سالم
عدوي العزيز
كنتُ بحاجة ماسة لأن أكتب هذه الرسالة لك، ومع سوء كل شيء يحدث معي مؤخرًا قررت أن أخرج من عهدة التنمر التي أتعرض لها، تذكرت حين نظرت لي بغضب وقلت: أنتِ عدوة نفسك طالما تتحدثين عنها هكذا.
لقد تأكدت من صحة وصفك لي حين قال لي متنمر آخر أني قد سببتُ له خسائر كُبرى!
لم أقف طويلًا أمام جملته تلك، لطالما كنت أعلق كمسمار على جدار حينما أتعرض للتنمر ،اذكر كيف قالت لي قريبتي : إن وجودك بيننا بيدك المشوهة هذه يبعد الأطفال عنا ويحرمنا من اللعب، وظللت لسنوات عالقة في هذه العبارة حتى بعدما أصبحت أم و زوجة، ظل المسمار عالقًا على جدار الروح وظللت تلك الفتاة التي عزلت عن ذويها ليتمكنوا من اللعب والضحك والمرح.
قد تسألني :ما الذي يجعلك تسترجعين هكذا ذكريات الأن، أُجيبك :بل هي الذكريات تُعيدنا لها وتحاول أحيان عديدة أن تبعث لنا برسائل، تمامًا مثلما كنتُ أبكي وأنا إبنة الأحدى عشر سنة على والدي كي يُصلح لي يديّ مثلما كنتُ أصفهما حينها وكان يردد علي دائمًا بنظرة عطف :لا خطب فيك يا ابنتي هكذا أراد الله لك، وكنت أصرخ بملء فمي :لماذا يكرهني الله ويجعلني أحترق؟! فيجيبني بعطف أكبر :هو يحبك.
كان والدي يحاول جاهدًا جعلي فتاة قوية، وكنت كذلك أمام العالمين وقاسية أمام نفسي.
كل هذه الذكريات يا عزيزي جعلتني هذه المرة أمسك المسمار الذي يحاول أن يدك نفسه فيّ وأرمي به بعيدًا ،بعيدًا جدُا خلال ساعات قليلة، وكنتُ أقوم بهذا في قمةِ الدبلوماسية، تمامًا كما تصفني :الأنثى الدبلوماسية في الأوقات العصيبة واللحظات الإستفزازية.
كان أن كتبت رسالة قصيرة وإبتسامة رضا تملئ وجهي، أجل يا عزيزي إبتسامة رضا لأني هذه المرة أدركت أني أكثر نقاء من لوثتهم. وكان أن بدأت بالرسم وأُبشرك بأني رسمت أربع لوحات، ثلاث منها مقاس صغير وأخرى بحجم كبير جدًا، وقد استخدمت فيها كل ما وقع في يدي من أعواد خشبية، حصى أودية صغير، عجلات خشبية صغيرة، غراء أبيض، محارم بيضاء، ملصقات فلينية، اغطية قناني وألوان اكريليك مختلفة، استغرقني ذلك ثلاث ليال مستمرة، واعجبني ما قمت به كما اعجب ولديّ اللذان اصرأ أن تكون اللوحات الصغرى من نصيب غرفتهم.
ثم شاهدت بعدها برامج وثائقية وقرات رواية روسية.
أما اليوم فلقد قضيته في التخطيط لعمل حديقة صغيرة في ساحة منزلي الأمامية واختيار لون جديد يناسب مكتبي الخاص وافكار ذاكرتي وبنات أحرفي.
عدوي العزيز
كيف أن هزة عنيفة تجعل منك جبل أكثر صلابة وتفتح لك خيارات عدة وتنجيك من خطط كنت تفكر بالقيام بها، لتجد نفسك بأنك لست أنت حين يوجهك الآخر ويبتز مخاوفك ويستغل حاجتك.
أُفكر في نفسي وفي كل شخص قال لي شكرًا لأنك أحدثتِ تغييرًا ايجابيًا في حياتنا.
افكر في كل كلمة، لحظة، وعمل رأيت الآخرين يبتسمون بود ،و ينظرون نحوي بثقة لأعلم مدى القوة التي أمتلكها، والثقة التي اتكئ عليها.
ومن أجل كل شيء يا عزيزي وددت أن أقول لك شكرًا لأنك حين لاحظت شرودي في أخر حديث بيننا قلت لي :أعلم جيدًا أنك ستشرقين قريبًا وستبهريني كما تفعلين دائمًا.
إن الإنسان يا عزيزي مهما كانت قوته تطمئن روحه حين يجد من يوقره، يشجعه ويثق به بين الفينة والأخرى دون مصالح شخصية، والحمد لله أنك العدو الذي لا أخشاه فنحن في زمن نخشى فيه على أنفسنا من الصديق والقريب.