بقلم: رحمة الهدابية
من منّا لا تمر عليه لحظات يود فيها لو أن الأرض تنشقّ فتبتلعه، أو الهرب إلى مكان ليس به أحد غيره، أو يتمنى أنه لم يكن شيئا مذكورا، ولم يأتِ إلى هذه الدنيا، ولم يخلق فيها؛ لكثرة وعظم ما يتعرض له من صدمات شديدة وضغوط عديدة ومشاكل كثيرة لا تعد ولا تحصى، يجبن في حينها البعض منا، وتخور قواه في صدامها، ومواجهتها بكل ما يتطلب الأمر من قوة عزم وصلابة جأش، فإن أخذها على أنها منحٌ وهبات ربانية للارتقاء بشخصه إلى أعلى المستويات التي يستحقها ويطمح إلى بلوغها، والتي ستسهم -إلى حد كبير- في صقل وتطوير إمكانياته وقدراته، وتعمل على تقوية مواطن ونقاط ضعفه، من خلال هذه التحديات المختلفة التي يمر بها؛ لجعلت منه شخصا مجيدا وصاحب تأثير عميق على الآخرين، لما يمتلكه- حينئذ- من خبرات واسعة نظير التجارب المتنوعة التي مر بها، ولو وقف أمامها عاجزا ومكتوف اليدين، نادبًا حظّه، في حزن وخوف عمّا عساه يفعله لمجابهة كل من هذه الصعوبات والعراقيل، التي تقف في طريقه، كحجر عثرة لمواصلة طريق تحقيق الريادة والتميز في المجال الذي يحبه ويعشقه؛ لقاده وحوّله تحسره وهلعه هذا إلى شخصٍ ناقمٍ وساخطٍ على أقدار المولى -عزّ شأنه وجلّ- وقضاءه، كأنه -تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا- قد خصّه واستقصده من بين جميع خلقه وعباده بضنك العيش ومرارته وسوء الحظ وتعاسته، غافلا -بقصد أو بدون قصد- عن حقيقة واحدة، أن هذه الدنيا ليست بدار بقاء حتى نُطيل فيها النحيب والعويل، واللطم والبكاء على مفارقة الأهل والخلّان، وليست باللينة السهلة، التي نستطيع الحصول فيها على كل ما نريد بمجرد التفكير فيه، دون بذل الجهد المطلوب للحصول عليه؛ وإنما هي دار بلاءٍ واختبار، لم يسلم من حوادث أيامها المتقلّبة ولياليها العصيبة حتى أصفياء الله وأولياءه، ولم تحابيهم وتفاضلهم بسننها وقوانينها.
فما هي حجم مسؤولياتي ومعاناتي، وحجم مسؤولياتك ومعاناتك أخي الكريم وأختي الكريمة، أمام حجم مسؤوليات ومعاناة هؤلاء الأنبياء والرسل -صلوات ربي عليهم وسلامه- الذين حملوا على عاتقهم أعظم مسؤولية وأكبر عبء مرّ على تاريخ البشرية جمعاء؛ وهي إخراج وانتشال الناس من غياهب الظلم والظلام وبراثن الجهل والخرافة إلى نور الحق واليقين، وعبادة الواحد الأحد، فمنهم من قُتل، ومنهم من أوذي وعذّب، ومنهم من شُتم وطُعن في عرضه وشرفه، والآخر نُفي وهجّر قصرا من بلده ليقيم شرع ربه في بلد غير بلده، وعلى الرغم من كل هذه الآلام والجراح والمآسي التي تعرضوا لها، إلا أنهم بعد تأييد الله -سبحانه و تعالى- لهم وتثبيته لهم على النهج القويم؛ ظلوا متمسكين بمبادئهم مستمرين في مشروعهم الإصلاحي والدعوي الذي بعثهم فيها المولى سبحانه، مدركين أنه مهما انتشر الظلم والطغيان وساد الشر في نفوس البشر وعاث الظالمون فسادا في هذه الأرض فلابد للنور أن يسطع في نهاية المطاف، والخير يعمّ أرجاء المعمورة، فهذه هي الحياة وهذا ديدنها، واللبيب الفطن من يستوعب هذه الحقيقة ويتعامل بكل حكمة ومرونة مع الأحداث والمواقف التي تصادفه في عموم حياته اليومية؛ فإن كان الحدث خيرا فليفرح وليبتهج، ولكن، الفرح والابتهاج المتزن وغير المبالغ فيه، وكأن الدنيا لم تُره من قبلُ أحداثا ساره، وإن كان شرا فليحزن الحزن الطبيعي وليصبر الصبر الذي يملأه ويحدوه به إلى الأمل والتفاؤل باقتراب انفراج همه وكربه؛ لأن لا شيء يبقى على حاله في هذه الحياة رغم مغرياتها الفاتنة، فتعامله مع معترك الحياة بهذه الكيفيّة هو من يترك فيه أثرًا طيبًا، وبصمة واضحة يكسب منها رضى مولاه في حياته الدنيا، والفوز في الآخرة بجنة عرضها السماوات والأرض.
لذا فإن قانون الحياة وملخّصها بسيطٌ جدا، حري بنا معرفته وفهمه إذا ما أردنا أن نعيش فيها سعداء؛ وهو أن هذه الحياة تعاقب ولا ترحم من يخطئ ويقصّر فيها، وتكافئ وتجازي من يسعى ويجتهد، مصداقا لقوله تعالى: “مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيد”ِ.