وفاء بنت سالم
عزيزتي:
من مكان عزلتي هذا، قد لا يبدو للأمر أهمية للعالم الخارجي، لمن يقرأ ما أكتب، لمن يكرهني، يكره التواصل معي، وأكره صمتي ومجاملتي في حضوره، وأُجبر على وصله من أجل السلام الداخلي.
مجموع كل ما يحدث وما حدث ،ما صادفته، سمعته، عرفته، قرأت عنه واستكشفته ،كلها لا تعرف قيمة ولا تساوي قيمة هذا المكان الذي أعتزلني فيه من الأرض.
لقد وصلتني رسالتك، ويسعدني أن أُخبرك أن تواصلك مع شخصيات الكتب والأفلام هي بداية الاستمتاع بإعتزال البشرية، وأول البدايات لمعرفة أن لا أهمية لك في عالم تتوقعين أن لك أهمية ومكانه خاصة، كلها ستبدو لك أوهام مشرقة لأنها ستزيل عنك ظلمة الإحتياج والإحتضان من الآخرين.
إن كوكبنا اللامحدود يا عزيزتي ما هو إلا بقعة تضم الأوهام، الاحلام، الإفتراءات
وما نحن فيه إلا ذرة لا تسبب أي تغيير أو إشراقة فيه.
تقولين أن الأيام تتشابه، وأنك ترغبين أن تفصلين روحك عن محيطك لذلك تهربين لشخصيات تقرأينها فتأخذك لبعدٍ أدركتِ فيه معنى أن أقول لك :نحن ننمو بطهرٍ كُلما إعتزلنا الإنسان الذي يحيط بنا واكتفينا بالإنسان الذي نحن عليه.
وستدركين أيضا كيف أن الأنين يتوقف، ويبدأ فكرك بالتفكير في اللاشيء، والإستيقاظ من أجل لا شيء، وكيف أنك لا تشعرين بخسائرك، ألامك وكيف أنك حقًا تستمتعين بصحبةِ اللحظة التي تمرك مهما كان لونها.
في بقعتي هذه التي ما عدتُ أتحدث عنها كثيرًا والتي هجرتها عامًا كاملًا ،لا أحد يقرأ أفكاري ،يمضغ أحلامي ،يحتكر طموحي، يبتز إبتسامتي ويغتال ثقتي.
أنا حيث الإكتمال يكون بنا ،و البدايات بنا ،ونهاية الأمر بداية بنا، وأقسم لك أني لم أكن أُفكر بأحد ولا أتواصل مع أحد، لكن رغبتي في تحميل كتاب إلكتروني اضظرتني لأن أفتح الانترنت لتصلني رسالتك، رسالتك الممتلئة بجحيم التعب النفسي وبما أنها منك كان لابد لي من قرأتها والرد عليها.
يا عزيزتي لقد دعوتك مسبقا بالحضور معي، في هذه البقعة التي اُقسم لك أنها تُعريني من مخاوفي، تعبي، إنهزاماتي وخيانات البشر. في هذه البقعة صرت أنام دون أرق وأستيقظ دون الإحساس بالإختناق أو الفزع.
كيف أننا صرنا خرقة مشوهة بالحياة المملة؟!
وكيف أننا صرنا نستغرب ونستجدي هذا الشعور الذي أعيشه في هذه البقعة.
أفهمك يا عزيزتي، أفهم ما تودين شرحه لي، فلقد مررتُ بأحد أسوء التجارب التي صقلتني طوال عام، تجربة تعلمت منها كيف أن النفوس البذيئة النتنة قد تأتيك على هيئة كتاب ،قصيدة أو بصوت الشتاء.
عزيزتي
لا تشعري بالخزي من نفسك، أنتِ نبتة لا لون لها، وهذا أمرٌ جيد لك.
على المرء أن يُجاهد من أجلِ نفسه قبل كل شيء، ومن أجلِ قيمته وأخلاقه التي قد يساومك عليها الحظ، الحظ الذي يجلب لك وقائع لا تنفع معها قيمك، قيمك التي تظلين متمسكة بها ويظل الواقع يشوهها، أوه لا تسأليني عن ماذا أتحدث، فلا أرغب بتعكير ما تبقى منك من صبر ولا تعكير عزلتي هذه، لكن أستطيع أن أقول لقد تغيرت كثيرًا يا عزيزتي، وتغيرت فلسفتي، كل الأمور التي تعلمتها من والدي، الكتب، الأفلام ،الشخصيات التي أكتب عنها وبها ،كلها لا تعرف خبايا الإنسان الحقيقي.
أرجوك يا عزيزتي لا تسمحي للعفن أن يتسلل إلى باقي جسدك، لا تحولي كل أيامك صعبة، وعرة فلا شيء يستحق أن نموت لأجله هنا سوانا، حتى لا نكون نحن يا عزيزتي الموجة الخاطئة.
دعينا نستيقظ بروح الطفل الذي كُنْاه.