وفاء بنت سالم
عزيزتي
لم تخبرني أمي بأن الساق حين تلتف بالساق تنتهي حياة وتبدأ حياة في مكانٍ ما ..
لكنها عظيمة ، عظيمة جدًا لأنها كانت مدرسة دون كتب مدونة ولا لوح يكتب فيه ..علمتني وهي تجز البرسيم من الأرض الخصبة بأنّا نحصد ما زرعته أيدينا وألسنتنا ، علمتني وهي تحلب الأبقار لتصنع لنا اللبن بعد أن يخوض معركته معها وهي تهز بيديها المخاضة النحاسية أن كل خضّة وإرتجاجة خارجية لا يجب أن تشوهني بل تخرج مني عصارة ذَا فائدة كاللبن الرائب..
علمتني وهي تطعم البهائم أن الفم الذي أطعمه لا يجب عليّ أن أنتظر منه مقابل ..
علمتني وهي تمد العجين على “الطوبق” وترشه بالسمن والدبس أن العمل الرائع لا بد أن يرهقنا لنستمتع بجماله ..
وهي تعد الحليب بالكركم والزنجبيل علمتني كيف أخرج الشهد من المرارة ..
علمتني وهي تمد ساقيها فوق “الدعن” وتبدأ في فرز التمر ما هو لنا وما هو للمواشي أن الصبر أول خطوات النجاح ..
لم تكن أمي متعلمة لذلك حين طلبت مني أن أُعلمها حروف الهجاء وكتابة إسمها لم أتصور بأنها كانت تحاول بذلك قراءة جزء عم
كانت تريد أن ترأ بعينها أحرف السور القصار التي تقرأها في كل صلاة
لم تقرأ في حياتها سورة الكهف في يَوْمِ الجمعة لكنها لم تتوقف عن قراءة المعوذات والفاتحة ولا رفع صوت القارئ كل صباح وهو يقرأ البقرة والفاتحة .. لم تعلمني أمي أن الرجال دول ،كان عالم الرجال لديها محصور بأشقائي الخمسة والبطولات محصورٌ بأبي ..
لذلك تغضب دائمًا مني حين تسمع وجهة نظري التي تصفها بالمتعسفة
لكنها علمتني أن الأب مملكة وأني كأم لا يحق لي أن أهز عرش هذه المملكة أمام صغاري ..
قالت لي وأنا إبنة السابعة تبكي من تشوهات الروح واليد والبشر “اذا لم تتوقفي عن البكاء سأضربك حتى تميزي بين وجع وآخر “لأتوقف عن البكاء بعدها
كانت ترى في بكاء صغارها ضعف لنا ولها ..
لم أفهم أمي وأنا صغيرة ، لم أفهمها وهي تقول لي حين طلبت نساء القبيلة منها أن تعزلني عن صغارهن كيلا أنقل لهم العدوى”عقول بعض الكبار رديئة لا علاج لها”..
واليوم وأنا أجر عقدي الثالث معي تكبر أمي في قلبي وتصغر كل التفاهات ..
اليوم حب أمي في قلبي عبادة ..