صالح البلوشي
ليس من عادتي الرد على ما يُطرح في تويتر، خاصة إذا كان الطرح صادرًا من مرتزقٍ سفيهٍ معروف ببذاءة اللسان وسفاهة اللامنطق وقذارة اللافكر، وله تاريخ طويل في التطاول على الأعراض، وكنت دائما أعتب على بعض الزملاء ردودهم على بعض النكرات في تويتر ، لأن ذلك يعطي لتغريداتهم ومقالاتهم أهمية لا تستحقها ، وأستشهد هنا دائما بمقولة للإمام علي بن أبي طالب يقول فيها: ” ما كل مفتونٍ يُعاتب”. ولكن الذي جعلني أنبري للرد في هذا المقال هو ما قام به أحد السفهاء – ويُقيم بدولة خليجية – في ” تويتر” من تطاولٍ على السلطنة وإنكارٍ لحقائق واضحة ومعروفة في عالم السياسة والدبلوماسية الإقليمية والدولية، مثل ادعاءه أن السلطنة ليست لها أي توجه سياسي وأنها لم تستضف مؤتمرا دوليا واحدا وتعتمد على سياسة النأي بالنفس، وغيرها من الترهات.
وما غرد به هذا السفيه في “تويتر” يكشف عن جهله بالدبلوماسية العمانية والنشاط الذي تقوم به إقليميا ودوليا قبل أن يولد هذا الشخص بسنوات طويلة في مختلف القضايا الخليجية والعربية والدولية.
لقد استطاعت السلطنة طوال السنوات التسع والأربعين الماضية بحكمة قائدها صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله – وحكومته أن تتبنى مواقف وتوجهات سياسية استطاعت أن تنقذ المنطقة من كوارث سياسية وحروب مدمرة كادت أن تحرق الأخضر واليابس فيها، ولا أدري هل يعرف هذا السفيه دور السلطنة في إعادة العلاقات بين مصر وبعض الدول العربية في ثمانينات القرن المنصرم التي كانت قد قُطعت قبل سنوات عندما قرر المجتمعون في مؤتمر الجامعة العربية ببغداد في نوفمبر سنة 1978 نقل مقر الجامعة العربية وتعليق عضوية مصر بعد توقيعها إتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، ثم قطع العلاقات الدبلوماسية معها بعد توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في 26 مارس 1979 ، ولكن السلطنة رفضت قطع علاقاتها مع القاهرة؛ لأنها كانت تنظر إلى القضية برؤية استشرافية وليست انفعالية كالدول الأخرى، ورغم أن السلطنة تعرضت لهجمة شرسة جدا من بعض الأقلام الأيديولوجية المسمومة في تلك الفترة، إلا انها استقبلت العديد من زيارات المسؤولين العرب من أجل التوسط لإعادة العلاقات مع القاهرة .
وبما أن السفهاء لا يتحدثون بالعقل والمنطق، وإنما بما يُملى عليهم فقط؛ لأنهم لا يهمهم عرض الوقائع بالنقد والتحليل وإنما همّهم الأول والأخير هو راتب آخر الشهر فقط، فمن الطبيعي أن يجهل بعضهم المؤتمرات الدولية التي استضافتها السلطنة، والنتائج الإيجابية التي تمخضت عنها، ولا أريد في هذا المقال المختصر عرض هذه المؤتمرات ونتائجها على الصعيدين الإقليمي والعالمي، وإنما أكتفي بالإشارة إلى أهمها فقط، خاصة أنها تزعج هذا السفيه ومن يعمل لحسابهم لأسباب يعرفها الخاص والعام.
أبرزهذه الاجتماعات التي تزعج هذا السفيه هو استضافة السلطنة جولة المفاوضات بين إيران والدول الكبري في مسقط في إطار المفاوضات بين مجموعة ( 5 + 1 ) بشأن الملف النووي الإيراني في نوفمبر سنة 2014 التي استغرقت عدة أيام، وهي الجولة الحاسمة التي مهدت الطريق لتوقيع الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1 في يوليو سنة 2015 .
لقد استطاعت السلطنة بدورها التاريخي في توقيع هذه الاتفاقية – التي أنسحبت منها الولايات المتحدة لاحقا في عهد الرئيس الحالي ترامب – أن تبعد شبح حرب مدمرة في المنطقة وقى الله شعوبها شرورها، ولكن بدلا من شكر السلطنة على دورها في ذلك- كما فعلت الدول الكبرى- قام بعض الصحفيين والذباب الالكتروني بالهجوم والتطاول عليها في مواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات العربية وكأنّها كانت تريد حربًا في المنطقة، وتمتع عيونها بمشاهدة مناظر الدمار والخراب وهي تطال البنى الأساسية فيها. وهذا المشهد تكرر مجددا بعد تصاعد التوتر العسكري في الخليج مؤخرا بين إيران والولايات المتحدة الامريكية، وقد لعبت الدبلوماسية العمانية – التي لم تُعجب بعض الاكاديميين في تويتر – دورا كبيرا في إزالة التوتر وعودة الهدوء إلى مياه الخليج بعد أن كان العالم قد حبس أنفاسه مترقبا حربا كارثية تحرق الخليج بأكمله.
وإذا تركنا الاتفاق النووي والتوتر في الخليج جانبا وذهبنا إلى الحرب اليمنية، هذه الحرب التي تسببت في أكبر كارثة إنسانية في القرن الحادي والعشرين وأحرقت الأخضر واليابس في اليمن، فإن رفض السلطنة المشاركة في الحرب أتاح لها أن تلعب دورًا أساسيًا في الإشراف على المفاوضات التي جرت بعضها في مسقط بين الأطراف اليمنية المختلفة من أجل الوصول إلى حل سلمي للأزمة، ولكن للأسف، فإن بعض الدول أسهمت بشكل كبير في تعميق جراح هذا البلد العربي وتعقيد الأوضاع المأساوية فيه.
وطالما نتحدث عن الأوضاع العربية المأساوية التي تسببت فيها بعض الدول للأسف الشديد، فلا ننسى أيضا ليبيا، هذه الدولة التي نكبت بالحرب الأهلية بعد سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي سنة 2011 م، فقد استضافت السلطنة في مدينة صلالة في مارس 2016 اجتماعات اللقاء التشاوري للهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور الليبي، التي دعت إليها السلطنة بمشاركة الأمم المتحدة.
إن مواقف السلطنة إقليميا ودوليا لا يمكن إنكارها، ويعرفها الجميع، وهي قبلة عشاق السلام في كل مكان، وكما يقال فإن ” الشمس لا تُغطى بغربال “، ولذلك يقف الجميع إجلالا لمواقفها المشرفة والخالدة، وأختم هذا المقال بتصريح نقلته قناة الجزيرة قبل عدة أيام عن صحيفة ” وول ستريت جورنال ” الأمريكية أن واشنطن تسعى لدفع السعودية للمشاركة في محادثات سرية في عُمان مع الحوثيين.
ويبقى الحل كما نقول دائما: في مسقط