وفاء بنت سالم
حين كنت طفلة صغيرة تشارك شقيقاتها غرفة النوم الواسعة كنت أحلم بشرفة على إطلالة مميزة، كالبحر أو قرية وسط فوهة جبل، لكني أدركت أن في قريتي هذا أمر مستحيل، فهي تفتقر للبحر، لذلك كانت الإطلالة الأولى التي حظيت بها لثلاث مناظر، حوض المزرعة المستطيل في مزرعة تضم النخلات بسواقيها وكراج الناحلي الذي يختبئ فيه كل هندي يعيش في جعلان وزمرة من الجرذان التي تجتمع حول قاذوراتهم ومقبرة الحارة.
ورغم ذلك كنتُ أحيك القصص والقصائد كل مساء، ما أن تطفئ الأنوار كلها ولم يكن لبلدتي أنوار سوى أنوار المنازل وكان بيتنا أكبر المنازل وأكثرها إنارة، ولا أظن أن أحد غيري وغير شقيقي في ذلك الوقت يجيد السهر في البلدة حتى ساعات الصباح الأولى.
حين كبرت وعشت في مسقط فترة قصيرة أصبح لي غرفة بشرفة تطل على الحارة التي اسكن فيها، وليتني لم أحظى بتلك الغرفة ولا تلك الشرفة كانت تلك الشرفة الإطلالة الأولى لحقيقة الفقر والعوز الذي يجوب المدينة، بل يختبئ بين أزقتها واسقف المنازل المنهارة والأبواب المخلوعة، كانت تلك الشرفة ما دفعني لكتابة أول نص روائي لي والذي اسميته بالمدينة الفاضلة وشاركت به في مسقط عاصمة الثقافة العربية ولم ينل شرف الفوز بطباعته.
حينها كتبت النص بنظرة إبنة الأرض التي تصورت أن لا فقر يسكن وطنها، ولا فقراء يسكنون المدينة.
كان عهدي الوحيد لمعنى الفقر جارتنا التي فقدت زوجها عن صغر وباتت مسؤولة عن إعالة صغارها في فترة لم يكن هناك راتب الضمان الإجتماعي الذي لم يزد رقمه عن ال80 ريال لأسرة كاملة.
لكن العاصمة أعرت الصورة التي تخيلتها من مثاليتها الزائفة، أقصد الشرفة..
اليوم وأنا أسرح بفكري بين صفحات رواية كيمياء خاتون عاودتني رغبة أن تكون لي شرفة في الطابق الثاني للمنزل، شرفة تطل على شارع مزدحم بالإنارة وبحر تنبح الكلاب على شطئه، شرفة شبيهة بالشرفة التي كانت لغرفة الفندق في طنجة، لأعود بأدراجي إلى حقيقة واحدة: في بلدتي من العيب أن تكون لي شرفة تطل على الشارع أو منزل الجيران، لذلك فكرت أن أُغطيها بأشجار الزينة واستبدل رائحة البحر برائحة الريحان، فمن يدري ماذا سأصنع بأفكاري حينها.