فـــايزة محمـــد
“رحمة الأمة في اختلاف الأئمة” هو كتاب في فقه الخلاف ألفه أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الدمشقي العثماني الشافعي (المتوفي سنة 780 هـ)، وقد تحدث المؤلف في هذا الكتاب عن المسائل الخلافية بين العلماء في جميع أبواب الفقه، وهو كتاب مفيد لمعرفة أن الخلاف بين العلماء هو ظاهرة صحية وإثراء كبير لأحكام الفقه الإسلامي في القضايا المختلفة وليس شقاقا كما يتصور البعض، وقد ذكر الشيخ محمد بن صالح العثيمين (رحمه الله)في كتابه ” الخلاف بين العلماء ” بعض الفوائد من اختلاف العلماء، منها : ” رفع الهمم في طلب العلم والبحث والتحري ، و إثراء روح البحث والمناظرة مما يؤدي إلى قوة الحجة في تبليغ الحق للناس ، ورفع الحرج عن عوام الأمة ممن ثبت في حقهم التقليد في الأخذ بأي قول يطمئن إليه صاحبه”. وما أروع ما سطره الشيخ محمد الغزالي (رحمه الله) في كتابه ” دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين ” ص 98 بأن : ” الخلافات الجزئية واقع لا بد منه، وتجاوزها لما أهم منها واقع لا بد منه كذلك”، فكيف إذا كان الخلاف في مسألة أجاز الفقهاء من جميع المذاهب الإسلامية فيها الخلاف، وأقصد هنا بشكل خاص مسألة اختلاف مطالع الأهلة التي أثارت بعض النقاش بالسلطنة بعد أن أعلنت اللجنة الرئيسية لاستطلاع هلال شهر ذي الحجة بحضور سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة وأصحاب السعادة والفضيلة أعضاء اللجنة عدم ثبوت رؤية هلال ذي الحجة لسنة 1440 هـ ، لأننا أمام قضية اجتهادية وليست قطعية، فالقطعيات لا يجوز فيها الخلاف، وأما المسائل الاجتهادية كاختلاف مطالع الأهلة فالخلاف فيها جائز بشهادة أهل العلم من جميع المذاهب، فهذا هو الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – يقول في كتابه ” مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ” في المجلد العشرون ص 47 ردا على سؤال يقول: إذا أختلف يوم عرفة نتيجة لاختلاف المناطق المختلفة في مطالع الهلال فهل نصوم تبع رؤية البلد التي نحن فيها أم نصوم تبع رؤية الحرمين؟ فأجاب فضيلته بقوله: هذا يبنى على اختلاف أهل العلم: هل الهلال واحد في الدنيا كلها أم هو يختلف باختلاف المطالع، فمثلا إذا كان قد رؤي بمكة، وكان هذا اليوم هو اليوم التاسع، ورؤى في بلد آخر قبل مكة بيوم وكان يوم عرفة عندهم اليوم العاشر فإنه لا يجوز لهم أن يصوموا هذا اليوم لأنه يوم عيد، وكذلك لو قدر أنه تأخرت الرؤية عن مكة وكان اليوم التاسع في مكة هو الثامن عندهم، فإنهم يصومون يوم التاسع عندهم الموافق ليوم العاشر في مكة، هذا هو القول الراجح”،
وقال الدكتور هاني بن عبد الله الجبير قاضي بمحكمة مكة المكرمة: فإذا كان المسلم في بلد يعمل الرؤية الشرعية، ويعتمدها طريقاً لإثبات التاريخ فإن المسلم فيه يعمل بمقتضى ما أثبته المختصون عنده، ويصوم عرفة يوم التاسع، ولو كان يوافق في مكة اليوم الثامن أو العاشر، أما في المناسك فإنه يعمل بالرؤية حسب ثبوتها في مكة”.
هذه هي فتاوى علماء الأمة تُبين شرعية الخلاف وأن اختلاف مطالع الأهلة مسألة اجتهادية ولا مجال فيها للطعن، فهل نترك فتاوى العلماء وجهابذة الشريعة ونتمسك بأهوائنا!!! وهذه الفتاوى كثيرة جدا ومن مختلف المذاهب الإسلامية، ولكن للأسف الشديد، فكما يقول الشيخ محمد الغزالي في كتابه ” السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث ” ص 7 فإن هناك ناسا قيل فيهم: إنهم يطلبون العلم يوم السبت، ويُدَرِّسُونه يوم الأحد، ويعملون أساتذة له يوم الأثنين، أما يوم الثلاثاء فيطاولون الأئمة الكبار ويقولون: نحن رجال وهم رجال” ، ولذلك؛ فإن الحل في التعامل مع هذه المسألة الخلافية سهل جدا، ولا يحتاج كل هذا الجدل والنقاش في مواقع التواصل الاجتماعي ومجموعات الواتساب – وهو الرجوع إلى العلماء الذين أكدوا على شرعية الاختلاف، وأنه رحمة للأمة، خاصة أن الأمة مجمعة على أصول الدين وفروعها، ولا ينبغي بث الشقاق في مجتمع متماسك اجتماعيا بسبب قضية اجتهادية، مع العلم بأن كثيرا من علماء الفلك أثبتوا بالأدلة العلمية أن السلطنة تعتبر أدق دولة في العالم الإسلامي في تحديد دخول الأشهر القمرية، وهناك بحوث كثيرة أثبتت ذلك، وهي موجودة ومتوفرة لمن يريد أن يُراجع.