صالح البلوشي
قبل عدة أسابيع حبس العالم – وخاصة سكان المنطقة – أنفاسه خوفا من مواجهة محتملة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران التي كانت قاب قوسين أو أدنى، فقد وصلت التهديدات بين الدولتين ذروتها ولم يبقَ إلا إعلان ساعة الصفر، حتى تناقلت وكالات الأنباء العالمية خبرا عاجلا يفيد بوصول معالي يوسف بن علوي بن عبدالله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في زيارة عاجلة إلى طهران، فتنفس الجميع الصعداء قليلا؛ لأن العالم أجمع يعرف أنه أينما تحركت الدبلوماسية العمانية فإنها تحمل معها بشائر السلام .
وقد وصف المساعد الخاص لرئيس البرلمان الايراني الدكتور حسين أمير عبداللهيان بن علوي بأنه ” يطرح أفكارا بناءة دائما”، ولا شك بأن هذه الأفكار البناءة التي يحملها معاليه أينما ذهب هي أفكار السلام والدعوة للحوار والتعايش بين الشعوب، وهي الأفكار التي كانت – ولا تزال – نهجا ثابتا للفكر السامي لصاحب الجلالة السلطان المعظم – حفظه الله ورعاه – التي استطاعت خلال العقود الماضية أن تقود مبادرات سلام ناجحة استطاعت تجنيب المنطقة والعالم عدة ويلات حروب.
وبعد أزمة الناقلات في مضيق هرمز حبس العالم أنفاسه من جديد، وتحول الهدوء الذي لم يستمر سوى أيام قليلة إلى عاصفة توقع كثير من المراقبين أنها ستؤدي إلى حرب ستأكل الأخضر واليابس في المنطقة، وكما يقال فإنه ليس في كل مرة تسلم الجرة، خاصة بعد أن أعلنت إيران رسميا توقيف ناقلة نفط بريطانية. لتعود الأزمة مجددا ، ولكن بطلها هذه المرة بريطانيا التي وعدت وتوعدت وهددت بفرض عقوبات قاسية على إيران كانت قد رفعتها بعد توقيع الاتفاق النووي، وتصادفت الأزمة مع فوز بوريس جونسون بمنصب رئيس الوزراء ببريطانيا، وهو الرجل الذي يشبهه كثير من المراقبين بالرئيس الأمريكي ترامب، وفي خضم الأزمة أصدرت السلطنة بتاريخ 21 يوليو بيانا تناقلته جميع وكالات الأنباء لأهميته أعلنت فيه ” انها تتابع باهتمام بالغ حركة الملاحة في مضيق هرمز”، ودعت فيه ” جميع الدول إلى ضبط النفس واحترام خطوط الفصل الملاحية والقانون البحري الدولي وعدم تعريض المنطقة إلى مخاطر تؤثر على حرية الملاحة” ، وهذا البيان كان رسالة عمانية إلى العالم بأنها معنية بالتحرك لأجل إعادة الاستقرار إلى الملاحة الدولية في مضيق هرمز أكثرمن غيرها كما صرح بذلك معالي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في تصريح لتلفزيون السلطنة أثناء زيارته لطهران حيث قال: “نحن معنيون أكثر من غيرنا بضمان استقرار الملاحة، ولذلك نجري اتصالات مع جميع الأطراف؛ لأن أي خطأ أو أي تصرف غير محسوب تعيق الملاحة في الممرات الدولية المائية تعود بالضرر على العالم” ، وأكد معاليه في ختام تصريحه بأنه: ” في إطار علاقتنا مع الجميع وفي إطار مسؤوليتنا أيضا لا بد ان نتحرك بهدف إعادة الاستقرار”، ولذلك، اكتسبت زيارته الأخيرة إلى طهران باهتمام خاص من جميع وسائل الإعلام الإقليمية والعربية والدولية وحظيت بتغطية واسعة لها، وقد حرص معاليه على الالتقاء بجميع المسؤولين الإيرانيين ابتداء برئيس الجمهورية روحاني مرورا بوزير الخارجية الدكتور ظريف ورئيس مجلس الأمن القومي علي شمخاني وغيرهم.
ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: لماذا تكتسب زيارات بن علوي إلى طهران أو العواصم الأخرى في أوقات الأزمات باهتمام خاص من دول العالم؟ خاصة أن هناك مسؤولين كبار زاروا العاصمة الإيرانية في الأسابيع الأخيرة ولكنهم لم ينجحوا في تخفيض التصعيد في المنطقة!! فأي عصا سحرية يمتلكها يا ترى بن علوي حتى يستحوذ على اهتمام واحترام جميع العواصم!! .
ربما يتفق كثيرون أن الجواب هو: أن السياسة العمانية التي أرسى دعائمها جلالة السلطان المعظم – أبقاه الله – استطاعت بحكمتها والأسس الثابتة التي تقوم عليها أن تحظى باحترام جميع دول العالم بدون استثناء، لأنها تقوم على الدعوة إلى السلام وحل الخلافات بالطرق السلمية ، فكما قال جلالته في إحدى خطبه : ” إنّ السلام مذهب آمنا به، ومطلب نسعى إلى تحقيقه دون تفريط أو إفراط “، وقال حفظه الله أيضا : ” إنّ سياستنا الخارجية معلومة للجميع فنحن دائما إلى جانب الحق والعدالة والصداقة والسلام وندعو إلى التعايش السلمي بين الأمم وإلى التفاهم بين الحضارات”، ولذلك يتفائل العالم عندما يرى تحركا عمانيا بعد كل أزمة تحدث في المنطقة؛ لأنها تعرف جيدا أن السلطنة – لعلاقاتها مع جميع الدول – تستطيع أن تبني جسورا من الثقة والتفاهم بين الفرقاء، وتستطيع بحكمتها أن تنزع فتيل الأزمات قبل وقوعها، ولذلك فلا عجب أن يعود الهدوء مجددا إلى منطقة الخليج، خاصة بعد أن كشفت بعض التقارير أن بن علوي ناقش مع المسؤولين الإيرانيين عدة قضايا ساخنة، من المنتظر أن تظهر نتائجها في الأيام والأسابيع القادمة إن شاء الله.