الكاتب: حسن بن عبد الله العجمي
عديدة هي الأسباب والعوامل التي تعكر صفو الحياة الزّوجيّة، وتجعل من هذه العلاقة علاقة غير وطيدة، يشوبها التوتر وعدم الانسجام، بل إنّ بعضها له الأثر الكبير في خلق حالة من النفور الشديد بين الزوجين الأمر الذي قد يؤدي إلى انهاء علاقتهما الزّوجية.
وهذه الأسباب والعوامل إما أن يكون منشؤها الزّوج أو الزّوجة أو كلاهما، أو بسبب تدخل طرف ثالث في حياتهما الزّوجية، ومن الأسباب التي تكون الزّوجة السبب في حدوثها، وهو كثرة طلباتها الماديّة والزائدة والمتكررة التي تثقل بها كاهل زوجها.
هناك من النساء من تخلق مشكلة مع زوجها، وتوجد حالة من الشقاق والنزاع معه، وتجلب له الأذيّة لأنّه لم يستجب لها في كل ما تطلبه منه من حاجيات وأشياء، مع علمها بأنّه غير قادر على ذلك، وهذا خلاف حسن التبعل المطلوب من الزّوجة أن تعيشه مع زوجها، وخلاف العشرة بالمعروف المطلوبة من كلا الزوجين أنْ يعاشر بها الآخر، فالمرأة التي تعيش حسن التبعل هي تلك المرأة التي تعاشر زوجها بالمعروف، فتلتزم بما عليها من حقوق وواجبات تجاهه، وتتعامل معه بالأخلاق الفاضلة الحسنة، ومن المعاشرة بالمعروف أن لا تكلّف المرأة زوجها أو تطلب منه شيئاً لا يقدر عليه ولا يطيقه،
فالزّوجة الصالحة هي تلك التي تقدّر إمكانيات زوجها الماليّة، فلا ترهقه بالطلبات لا سيما إذا كانت غير ضروريّة وتفوق إمكانياته، لأنّها تعلم أنّ الإكثار على الزّوج من الطلبات والإلحاح عليه فيها والإصرار على تنفيذها مما يؤذي الزّوج ويزعجه، وقد تحدث بسبب ذلك مشكلة بينهما فتكون هي من عرضت حياتها الزّوجية للاضطراب وعدم الاستقرار، وخلقت في داخل الأسرة جوًّا من التوتر وعدم الهدوء والرّاحة، فتصبر على ما هي عليه حتّى وإن كانت في ضنك وضيق من العيش، فلا تفضّل شيئًا على محبّة زوجها واستقرار حياتهما الزّوجية.
هناك من الزّوجات من تريد أن تعيش حب الظهور والمباهاة والتميّز في كل شيء في ملابسها ومسكنها وسيارتها إن كانت ممن يقود سيارة، وغير ذلك، فلا تقنع إلاّ بالمتميّز والجديد، ومن الأنواع والأصناف غالية الثمن، فترغب بين الفينة والأخرى بتبديل أثاث المنزل وتجديده، وتغيير هاتفها بهاتف أحدث، وسيارتها بسيارة أخرى جديدة، وهكذا، وكل ذلك تطلبه من الزّوج، وتلح عليه إلحاحًا شديدًا في الاستجابة إلى طلباتها، وتخلق معه مشكلة إن هو امتنع أو تردد في ذلك، فيقع الزّوج المسكين أمام خيارات كلّها ذات نتائج سلبية إنْ لم يتمكن من إقناع زوجته في التراجع عن طلباتها، فهو إمّا أن يلجأ إلى الاستدانة والاقتراض الأمر الذي يخلق عنده حالة من القلق وعدم الرّاحة بسبب التفكير الدائم والمستمر في كيفيّة تسديد دينه، ويزداد ذلك القلق والشعور بعدم الرّاحة في حالة مطالبة الدائن له بالمال الذي اقترضه، وهذا من شأنه أنْ يوجد حالة من الفتور في علاقة هذا الرّجل بزوجته، بل قد يخلق ذلك في بعض الحالات حالة من بعض الرجل وكراهيته لزوجته، لأنّه يرى أنّها هي من دفعه إلى الاقتراض، وجلب له عدم الرّاحة وجعله يعيش القلق، فتتغيّر العلاقة بينه وبينها إلى عدم الانسجام نتيجة لغياب عنصر المودّة والمحبّة، الذي هو من أهم العناصر التي يلزم أن تتوفر في العلاقة بين الزوجين لتكون علاقة استقرار وانسجام.
أو أنّه لا يستجيب لها في طلباتها، ويتحمّل كل الآثار السلبية المترتبة على ذلك، من تكرارها وإصرارها عليه في الاستجابة لطلباتها، ومن عدم التزامها بواجباته الزّوجية ومسؤوليتها الأسريّة عنادًا منها له.
أو أنّه يسعى إلى التخلّص منها لا سيما مع يأسه من عدم تغييرها لطبعها، فيقدم على طلاقها وفراقها.
فقد لا يتردد بعض الرّجال في إنهاء علاقته الزّوجية مع زوجته المتطلّبة تخلّصًا من جميع مشاكل وآثار عادتها السلبيّة هذه، فهذا أحدهم يقول أنّ زوجًا غضب من إلحاح زوجته المتكرر عليه لشراء ثوب لها لكي تلبسه في حفل زواج اختها، مما دعاه ذلك إلى طلاقها بعد زواج دام بينهما لسنين عديدة.
فهذه الزّوجة قد طالبت زوجها بشراء “ثوب” لها لتلبسه لحضور حفل لإحدى قريباتها، ومن ثم طالبته بآخر لتلبسه في حفل زفاف شقيقتها، لعدم رغبتها في تكرار لبس الأول .. يقول الزوج: إنّ دخلي الشهري قليل وزوجتي أرهقتني كثيرًا بطلباتها وشراء الملابس الجديدة لها، فلا أستطيع تحمل المزيد من عدم مبالاتها بوضعي المادي… ولمّا لم تفلح محاولات أقاربهما في الإصلاح بينهما وإقناع الزّوجة بالتنازل عن طلباتها وثني الزّوج عن قراره في إنهاء علاقته معها الذي بات مقنعًا بأنّ الحل الأنسب، لجأ إلى طلاقها وفض العلقة الزّوجيّة بينهما.
فالمرأة التي لا تكون عندها نيّة التغيير من عاداتها وطباعها لتتناسب مع حالة زوجها المالية فإنّ علاقتها معه ستتعثر لا محالة، وقد تنتهي العلقة الزّوجيّة بينهما كما حصل مع هذه المرأة.
نعم كان على هذا الرّجل أن يتريّث ويسعى إلى إصلاح طباع زوجته بدلًا من أن يلجأ إلى طلاقها والتخلّص منها، فالطلاق وإن كان جائزًا وحلالًا ولكنّه من أبغض الحلال عند الله سبحانه وتعالى، وكثيرًا ما تكون الآثار السلبيّة الناشئة عن الطلاق كبيرة وكثيرة، فقد تكون سلبياته أكثر وأكبر من السلبيات التي كانت الموجب لإيقاعه.
وفي الختام أقول: لتعلم المرأة وليعلم الرّجل أنّ علاقة الزّواج جعلها الله سبحانه وتعالى علاقة مودّة ورحمة، فقال: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) (الروم: 21)، فهو سبحانه أرادها علاقة يخيّم عليها السكون والطمأنينة، وتظللها السكينة، ويرفرف عليها الهدوء والراحة، فعلى كلا الزوجين أن يتقبل الآخر بمحاسنه وعيوبه ويحاول أن يصلح من عيوبه بقدر الإمكان والاستطاعة، وأن يتغاضى ويتجاوز كل واحد منهما عن هفوات وأخطاء الآخر لتستقيم حياتهما الزّوجية ويبعدانها عن كل ما من شأنه أن يكون موجبًا لتوترها وتعثرها.