شؤون عمانية- محمد بن عيسى البلوشي
من يزور البوسنة لأول مرة يشاهد امتداد المسطح الأخضر لحدود نظره، وهي أوسع بلا شك من هذا الحد الحسي، ويلامس تأثير مكونات الطبيعة المنسجمة مع إنسان المكان هناك، من حيث الهدوء وراحة البال وسعة الخواطر، بل تأثير ذلك يمتد على أعمار البشر، حيث قال لي أحد المرشدين السياحيين بأن متوسط أعمار الناس هناك تصل إلى 85 عاما وذلك لأسباب عدة، من بينها: طبيعة المكان، ونمط الغذاء، وتأثير الجو العام على البشر.
ما لفت إنتباهي ونحن نتحرك من مكان إلى أخر في زيارة رسمية مع وفد تجاري عماني من غرفة تجارة وصناعة عمان، وجود أشجار كثيفة في عدة أماكن وكأنها محميات طبيعية، وبحديثي مع المرشد السياحي وما أبديته من إعجاب بهذا الجمال الرباني، أفادني بأن السلطات في البوسنة لا تسمح بقطع الأشجار إلا بتصريح مسبق، ومع إعطاء التصريح في حالات ينظر إليها يقوم صاحب المنفعة بزراعة شجرتين على أقل تقدير في مكان القطع أو في محيطة، وبهذا لا يتم إخلال المنظومة البيئية في هذا المكان.
أدهشني وجود هذا النظام، والحرص على تطبيقة من قبل الجميع، الذي أكده لي أحد المشاركين لحديثنا، والذي يمتلك منزلا في سيراييفو وقام بقطع إحدى الأشجار دون أخذ إذن مسبق، وقامت السلطات على أثرها بإيقاع غرامة مالية عليه، وهذا ما يدللنا على أن وضع القوانين والحرص على تطبيقها وعدم إستثناء أحد منها، هي واحدة من الأسباب المباشرة التي تجعل من البيئة متوازنة ومستدامة.
إن تحقيق التوازن البيئي يحتاج إلى نشر الوعي المعرفي بالمكونات الطبيعية لأي أرض يسكنها الإنسان، فليس من المعقول بأن تهدر المجتمعات ثرواتها البيئية من أجل تحقيق منفعة أنية كتوزيع الأراضي في منطقة ما أو بناء منشئات أسمنية بالقرب من المسطحات المائية أو ردم الأخوار الطبيعية التي يمكن تعزيز دورها البيئي بتعميقها وجعلها متنافسا طبيعيا للبشر، وهنا على الحكومات أن تتدخل بشكل مباشر وتوقف جشع البشر في التعدي السافر على الطبيعة.
إننا اليوم نحتاج في عالمنا إلى تمكين التوزان البيئي مع تطلعاتنا الحياتية المعاصرة، بحيث يكون هناك تعايش سلمي مع مكونات الطبيعة التي نعيش فيها من حيث البحار والأنهار والأشجار، ولا يكون التعدي على الطبيعة سمة غالبة يمكن أن يقرره الإنسان، بل على الحكومات وضع الضوابط ومراقبة ومتابعة الممارسات، وإيجاد منظومة بيئية متكاملة تسمح بديمومه الموارد لا بهدرها.