بقلم: سيرخيو غاوت فيل هارتمان
ترجمة: فيصل الحضرمي
EL PERRO ESCRITOR
creatividadinternacional.com
لم يسبق لأوكسيمورو مارتينيس أن أعار انتباهاً لبول كلبه. لذا فإنه حين خلّف بلزاك -اللابرادور الذهبي الجميل- خيطاً من البول على السجادة البخارية* التي أهدتها له عمته أنجيليكا، كان أول ما تبادر إلى ذهنه أن يتناول كلاشنكوفه الذي جلبه من العراق، ويمطر الشقي بالرصاص. ولكنه توقف في الوقت المناسب لحسن الحظ. كان الشكل الذي اتخذه السائل -سلسلة من الخطوط المتصلة التي بدت حروفاً- يفصح بوضوح عن محاولة بلزاك إيصال رسالةٍ ما.
– أيها الكلب المجنون. -قال أوكسيمورو مربّتاً على الكلب. فرغم فورة الغضب التي ألمت به قبل دقائق، إلا أنه كان يحب بلزاك- هل لي أن أعرف لماذا تبولت على سجادتي البخارية؟
تبول الكلب ما يلي: “إنها طريقتي في التعبير عن نفسي”.
نظر أوكسيمورو إلى كلبه مصعوقاً بالاكتشاف المباغت، ثم إلى السجادة، ثم عاد لينظر إلى بلزاك، ثم مرة أخرى إلى السجادة. سأختصر الموضوع: احتاج أوكسيمورو دقيقتين لا أكثر ليكتشف أن نصوص بلزاك كانت أدباً، بل ومن أجوده. كان يكتب فقرات كهذه: “حين حل المساء، قرفص الرجل بجانب الطريق، وأعد لنفسه وجبةً متواضعة، ثم أصغى لطقطقة ألسنة اللهب بينما راح يرفع الطعام إلى فمه ويمضغه متفكراً”.
– عظيم! أتستطيع التصدي لأشياء أطول؟ قال أوكسيمورو.
كتب الكلب: “طبعاً. رواية مثلاً؟”
– رواية! رائع! أول كتاب بست سلر بقلم كلب!
فرك أوكسيمورو يديه، والتمعت عيناه، وقفز مثل راقص كلاسيكي ضارباً الأرض بكعبيه.
كتب بلزاك الرواية في ثلاثة أشهر كما يليق باسمه. اضطر أوكسيمورو للاستثمار في المغامرة، فقد كلفته عدة آلاف على الجعة.. لأن الجعة، وليس الماء، هي ما كان يشربه بلزاك ليحفز مثانته و -فلنقل- “قلمه”. بدت الرواية رائعة بالنسبة لأوكسيمورو، وقد استمتع بقراءتها. كان حماسه كبيراً لدرجة أنه فعل المستحيل ليقابل المحرر الأكبر شأناً في المدينة، وفي نيته أن يعرض عليه عمل بلزاك. وقد أثمرت مساعيه. دعاه أيرازمو ببليوتك للحضور إلى الطابق الثلاثين من برج يونيفيرسوم، مقر دار النشر المتخصصة في كتب البست سلر الأكثر شهرة. سأختصر القصة بحذف مقدمات المقابلة، وسأمضي مباشرةً إلى الحوار الذي دار بين أيرازمو وأوكسيمورو، المصحوب ببلزاك، بمكتب الأول.
– إذن أنت تزعم أن هذه المسودة -نقر المسودة بإصبعه- كتبها الكلب الحاضر هنا؟
– هذا ما كتبه باستخدام… بوله، أرجو المعذرة. اقتصر دوري على نسخ النص.
– آهاا. الكلب يبول وأنت تنسخ.
– بالضبط. أكد أوكسيمورو. وقبل أن يتمكن أيرازمو من الرد، بدأ بلزاك عرضه التوضيحي.
-توقف! امتنع! ستوب!
صاح أيرازمو، وفيما كان على حافة الانهيار هتف قائلاً: سجادتي البخارية!
– لقد أتلف خاصتي. قال أوكسيمورو. كل شيء يهون لأجل الأدب. أليس كذلك؟ اِقرأ ما بالَه. أعني، ما كتبه.
قرأ أيرازمو ببليوتك، ولم يستطع إنكار أن بلزاك كتب فقرةً متسقةً ومقروءة.
“في ذلك المساء، بعد أن كتب رسالة إلى وكيله، وناقش مع كبير الخدم مسألةً تتعلق بالمزارَعات، عاد إلى الكتاب في سكينة المكتب المطل على حديقة البلوط”.
– ما رأيك؟ أليس هذا مدهشاً؟
أجاب أيرازمو وهو يختنق -غير قادر على أن يموت قبل أن يوضّح الموقف:
– هذا…. مدهش…. تح….. تحديداً….. ل…. لأن…. لأن هذا كان قد….. كتَ….. كتبه كورتاسر، و…… والرو….. رو…… واية….. هي آنا كارنينا، كلمةً بِ….. بكَ… بكلمة…
استجمع آخر قواه وصرخ عالياً:
– كلبك منتحل!
* البخارية نسبة إلى مدينة بخارى في أوزبكستان.
2019/6/23