بقلم : سالمة المرهوبية
جدار سطح البيت الأبيض الجديد الذي لن يراه أهلي، لأنهم يستثقلون صعوده ونكون نحن الصغار وسيلتهم لجلب كل ما هو مطلوب من هناك إن كان يوضع عليه شيء
لم يكن السطح مؤهلا من وجهة نظر الوالدين إلا لغرضين
إما أن ننام فوقه في الليل في ليالي الصيف الحارة أو ينشف عليه الليمون أو البسر..
لكنه بالنسبة لنا نحن الصغار كان مسرح حياتنا الرئيسي في حالة تواجدنا في البيت ، نمنا ولعبنا فوق السطح
أماكن فراشنا وحكاياتنا الليلية وألعابنا في تخويف بعضنا البعض..
حاولنا القفز من فوقه ولكن لعلوه تراجعنا خوفا..
تناولنا المثلجات والمملحات والحلويات التي ابتعناها من البقالة بعد آذان المغرب بعد صوم رمضان، لأن أهالينا يمنعوننا من تناول تلك الوجبات اللذيذة التي تصدنا عن طعام المنزل الذي يكون بلا طعم يسيل لعابنا لأنه صحي ومصنوع بمحبة.. لكننا لا نحبه..
جدار السطخ خير شاهد على مواهبنا الفنية في مزج الألوان وتجربتها على بياضه الناصع..
كم علبة (صلصل ) معجون الطماطم كان مصيرها هناك على الحائط ذاك؟
كم علبة حمص مسلوق دلق ماءها على ذاك الجدار أو ذاك ؟
كم نوعا من السكاكر امتزجت في كوب ماء زجاجي، لينتهي خليطها الملون على ذاك الحائط الذي لم ينتج أي لوحة فنية سوى لطخات ألوان شوهت وجهه…
كم غطاء علبة صفيح ثبتت عليها مسامير وبخلفها خشبة مهملة وعلى المسامير أوتار مطاطية تتلف سريعا لتصنع آلة عزف ليس لها بالعود أي صلة لا من قريب ولا من بعيد سوى أنها تنتج نغمات ناشزة.
كم بيتاً للحمام بنينا ومصائد للعصافير هناك نصبنا؟
كم حبل غسيل نشرناه فوقه؟ أو جرب مجنون ما الانتحار بذلك الحبل ؟ وهل يمكن أن يموت خنقّا كما يشاهد في الأفلام
كم عدد الأخبار والأغاني ودروس الانجليزية
ومحاولات الانتحار الفاشلة التي بدأت هناك ؟؟
ومن ذلك العمق والبعد يلح السؤال:
ماذا يحمل ذلك السطح بعد هذا العمر من مرور قطار الطفولة؟
إن السطح ما زال يحمل الكثير : هذا الأريل القديم
وطبق القمر الصناعي المهمل
وماكينة التكييف المركزي
وأخشاب مهملة
و أكوام من التراب
ولطخات غير واضحة على أحد الحوائط تخبر عن زمن فات تغيرت وجوه أصحابه كما تغيرت قلوبهم…