إبراهيم بن محمد الرواحي
لم تكن عُمان بلداً طارئاً على التاريخ والحضارة الإنسانية، بل كانت في صلب هذه الحضارة، وفي مقدمة الشعوب التي قدمت خدمات جليلة ساهمت في تقدم البشرية، وقد راكم العمانيون هذه الإنجازات والخبرات الحضارية وتجييرها في مسيرتهم وتجاربهم السياسية والفكرية والإجتماعية التي شهد لهم الجميع بصوابية ونجاح هذه التجارب وهو رصيد إنساني يفتخر به كل عماني وعربي ومسلم.
ومن أهم ما يتميز به العُمانيون هو عشقهم للإستقلال ورفضهم للتدخل الخارجي في شؤون بلادهم، و الإنتقاص من سيادتهم، ولهذا فقد حافظت عُمان على إستقلالها في أغلب فترات التاريخ، رغم الأطماع والغزوات المتكررة عليها من قبل عدد من الدول والإمبراطوريات، وكانت أطول فترة وقع فيها العُمانيون تحت الإحتلال هي فترة الإحتلال البرتغالي.
وقد لعبت الشخصية العُمانية و الموقع الجغرافي دوراً بارزاً في بلورة مدرسة سياسية عُمانية لها أسلوبها الخاص في التعاطي مع مختلف الأحداث التاريخية حتى الآن حيث أتسمت هذه السياسة بالدعوة للحوار والسلام ونبذ العنف والحروب ورفض التدخل في شؤون الآخرين الداخلية كما يرفضون التدخل في الشأن العُماني والمساس بالسيادة والإستقلال، وقد ظل العُمانيون يحملون مبادئ التسامح والتعايش مع الآخر ورفض التطرف والتعصب حتى أصبح هذه المبادئ سمة مميزة للهوية والشخصية العُمانية، وساعدت هذه الأفكار العُمانيين في نشر الإسلام في شرقي إفريقيا، والهند والسند، ودول شرق وجنوب آسيا.
إن بقاء عُمان دولة مستقلة أمرٌ رسخه رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام، حيث كانت رسالته صلى الله عليه وسلم لأهل عُمان تحمل في مضامينها ما يحفظ لعمان إستقلالها وسيادتها، ففي رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم “فَإِنَّكُمَا إنْ أَقْرَرْتُمَا بِالإِسْلاَمِ وَلَّيْتُكُمَا” أي بمعنى بقاء حكم عُمان بيد أبنائها إذا هم دخلوا في الإسلام وهو ما حدث، وبينما كانت أغلب المناطق في شبه الجزيرة العربية تحكم بواسطة القبائل فإن عُمان عرفت الحكم الملكي وهو ما أوضحته رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال :” وَإِنْ أَبَيْتُمَا أَنْ تُقِرَّا بِالإِسْلاَمِ فَإِنَّ مُلْكَكُمَا زَائِلٌ عَنْكُمَا، وَخَيْلِي تَحُلُّ بِسَاحَتِكُمَا، وَتَظْهَرُ نُبُوَّتِي عَلَى مُلْكِكُمَا” والنظام الملكي كان يعتبر من أرقى الأنظمة السياسية السائدة في الحكم.
وختاماً؛ فإن الخبرات الحضارية التي أتقنها العُمانيون أفرزت تجارب سياسية ناجحة بعيدة كل البعد عن فوضى الصراعات وعشوائية المواقف وإرتجالية القرارات، كما أصبحت مؤسسة الحكم في عُمان وصناع القرار فيها، يحظون بثقة العالم أجمع لتمتعهم بالمصداقية وثبات الموقف، وهو ما أهلهم للعب أدوار سياسية كبيرة، عجز عنها الآخرون، ولا زالت الأنظار متجهة إلى عُمان لحل القضايا الإقليمية والدولية الملتهبة.