شؤون عمانية- جمانة اللواتي
شهر رمضان المبارك، فرصةٌ كبرى للتغيير للأفضل على كل الأصعدة، روحياً و فكرياً وجسدياً ، وهذا ما نسمعه بشكل متكرر من الأطباء لاسيما في مجال التغذية، وعلى الرغم من ذلك نرى الكثير من الممارسات الخاطئة التي قد لا يلتفت لها البعض.
وقد حاورت “شؤون عمانية” جواد اللواتي ، وهو شابٌ عماني عانى من السمنة المفرطة لسنواتٍ طويلة عرف جيداً من خلالها تبعات الوزن الزائد ، إلا أنه قرر التغيير وأصر عليه، ولم يكتفي بذلك؛ بل أصبح مجال التغذية و الدعوة للاعتدال واتباع النمط الصحي في اُسلوب الحياة شغفه الجديد ، و صار مولعاً بتثقيف نفسه في هذا المجال ودخول العديد من الدورات المعتمدة وأصبح مرشداً في التغذية ليسند العلم بالتجربة الشخصية التي قد يفتقدها بعض اختصاصيو التغذية .
في هذه المقابلة سنسلط الضوء على أبرز الممارسات الغذائية الخاطئة التي يتبعها الكثيرون ، بالإضافة الى بعض النصائح التي من شأنها أن تكون نقطة تحول في حياة الفرد الصحية من خلال هذا الشهر الفضيل.
كثيراً ما يتردد على ألسنة اختصاصيو التغذية والمهتمون في مجال الصحة جملة (شهر رمضان فرصة كبيرة لتحسين صحتكم)، كيف يكون ذلك؟
جميعنا نعلم ان شهر رمضان هو شهر الله وهدية من رب العالمين لعبده، فالأجور مضاعفه من الله سبحانه وتعالى، وهنالك حصةٌ من الربح الجيد في هذا الشهر على صعيد الصحة الجسدية والتي تكون من نصيب الوجبات بعد فترة الصيام ، أي من وقت الافطار إلى الإمساك ويجب استغلالها استغلالاً صحيحاً واتباع تعاليم رب العالمين والسنه النبوية، بالإضافة إلى نصائح اختصاصيو التغذية في هذا الشهر ، وبالتالي يمكنك ان تربح صحتك وتُحسنها او تخسرها في هذا الشهر بعادات سيئة متداولة للأسف في مجتمعنا العربي وكذلك العماني.
الصيام والوزن الزائد
ماذا عن فترة الصيام؟ كيف يمكن أن تكون مفيدة للإنسان وعلى صحته؟
الفوائد كثيرة، ففي الوقت الذي كانت بعض الديانات الأخرى تنظر إلينا في هذا الشهر نظرةً أقرب إلى الاستغراب مما نفعله من صيامٍ وإمساكٍ عن الطعام والشراب من الفجر الى غروب الشمس، أي قرابة ١٦ ساعة، أصبحوا الآن يقرون بفوائد هذه النعمة من رب العالمين وآثارها الايجابية على النفس والصحة، كما أن الكثير من علماء الغرب في السنوات الماضية بدأوا بالاهتمام والتركيز على موضوع الصيام لما له من فوائد أظهرتها الكثير من الدراسات التي تم إجراؤها ، حيث أن بعض المختصين في التغذية قاموا بإعطاء بعض مرضى السمنة برامج غذائية تعتمد على الصيام لساعات معينة وساعاتٍ متقطعة والتي يتوجب على مريض السمنة ومن يعاني من أمراض اخرى الالتزام بها، واكتشفوا التحسن الكبير الذي طرأ على صحة هؤلاء المرضى بالإضافة إلى فوائد أخرى مثل : نزول الوزن وتحسن صحة القلب والشرايين وانخفاض نسبة الدهون الثلاثية ،بالتالي فإن نظام الصيام أصبح معتمداً لدى الكثير من اختصاصيو التغذية.
على الرغم من الفوائد الجمة للصيام إلا أن الكثير من الأشخاص الاصحاء يعانون من التعب والاعياء أو حتى الاغماء وهبوط في ضغط الدم جراء الصيام، ما هو السبب؟
الحديث في الصيام مختلفٌ بين الإنسان السليم والإنسان الذي يعاني من الأمراض، فالسليم ربما تأتيه بعض الأعراض في الأيام الأولى مثل الخمول والصداع بسبب التغير المفاجئ في روتين الطعام عما كان معتاداً عليه ، لذلك يؤكد المختصون دائماً على ضرورة التدرج قبل شهر رمضان بتقليل الكافيين والتدخين وتأخير وجبة الإفطار.أما المريض فيجب أن يراجع طبيبه ليتأكد إذا كان يُسمح له بالصيام ام لا حسب الحالة، ويعطيه نظاماً غذائياً يتماشى مع طبيعة مرضه وجرعات الدواء التي يتناولها.
النهم في الاكل والشراء
ما هي أبرز العادات الغذائية الخاطئة التي يشيع اتباعها خلال شهر رمضان؟
* الاستعجال بالأكل والوصول إلى مرحلة التخمة حيث ان إشارات الشبع تصل متأخرة إلى المخ بسبب السرعة في الأكل ، وبالتالي فإنه يتوجب علينا الأكل ببطيء ومضغ الطعام جيداً.
* لا تشرب و تأكل دفعةً واحده ، رغم أنني أتفهم هذ الشعور (الافتراس) بعد صيام ممتد لساعاتٍ طويله، ولكن هذا الفعل يولد الخمول والتقصير في القيام ببقية الاعمال في اليوم ، كالعبادة والرياضة وزيارة الأهل والأصدقاء، والطامة الكبرى هي أن يتم خلط المشروبات المليئة بالسكريات مع الحلويات والمخبوزات النشوية خصوصاً البيضاء والتي ترفع السكر في الدم بسرعه كبيرة، وبالتالي يضخ البنكرياس كمية كبيرة من الأنسولين لإنزالها وهذه العملية هي التي تسبب الخمول الشديد ، و قد يذهب الشخص لفراشه بدل تكملة أعماله، وهذه الفعل يطلق عليه في المصطلح العامي الدارج ( يضرب الأكل بالخمس ) والذي يسبب لنا الخمول في ايامنا العادية فما بالكم عند الافطار بعد صيام قرابة ال١٦ ساعة.
* شراء حاجيات الشهر الفضيل في فترة الصيام ، فمن الطبيعي ان تكون مشترياتك أكثر مما كتبته في قائمة الاحتياجات، بل هنالك احتماليه كبرى أن تشتري السوق بأكمله؛ والسبب هو الجوع الذي يولد افكاراً وخطط ومشاريع تود تنفيذها وصنعها وأكلها على وجبة الإفطار، وغالباً ستكون هذه الخطط مليئة بالسعرات الحرارية الزائدة عن احتياجك اليومي بدل الاكل المعتدل البعيد عن الحرمان في هذا الشهر.
* من أهم الوجبات الرمضانية التي لا تخلوا منها اي سفرة عمانية والتي أسميها ملكة السفرة هي ( الشوربة )، سواءً كانت باللحم أو الدجاج، ولها فوائد عديدة، ومنها: البروتين والألياف التي تحسسنا بالشبع والطاقة لبقية اليوم، وللأسف صار البعض اليوم يتناولها بطريقة خاطئة بإضافة الكريمة ومحسنات الطعم الضارة، كمرقات الدجاج واللحم والخضار المصنعة التي تحتوي على جلوتومات أحادي الصوديوم، ولسنا في معرض الشرح والتفصيل عن الأضرار الناتجة من هذه المادة ولكن كثرتها مع مرور الزمن تُفقد الانسان جزءًا من حاسة التذوق أو تمييزه لبعض الأطعمة أو عدم تلذذه بالكثير من الأطعمة بسبب تعوده على هذه المحسنات وكذاك تجعله يشعر بالعطش في فترة الصيام.
* التركيز على العصائر المليئة بالسكر عوضا عن تناول الفاكهة الطازجة، وخصوصاً المنتج الأحمر المحبوب في هذا الشهر والذي يحتوي على التوت ، ولكن لو دققنا النظر خلف العبوة سنجد ان هذا المنتج يحتوي على ٢٪ من التوت فقط، وبالمقابل فإن هذا المنتج مليء بالأصباغ الضارة، ورغم ذلك لا نقول إحرم نفسك ولا تشرب منها؛ ولكن إختر الوقت المناسب لشربها، ولتكن مرةً واحدة في الأسبوع وليس يومياً كما يفعل البعض ويشربها كالماء.
ماذا عن النصائح التي تقدمها للأشخاص الذين يودون استغلال الشهر بطريقة إيجابية تساعدهم في تحسين صحتهم وكذلك للذين يريدون خفض اوزانهم؟
من يود انقاص وزنه في هذا الشهر الفضيل فهي فرصة ، ولكن عليه أن يفكر و يتمعن بنمط حياته المعتاد على مدار العام ، كيف كانت عاداته الغذائية سيئة طيلة السنة ؟ نوعية الطعام رديئة والكميات كبيرة و مليئة بالدهون والسكريات، وبالتالي أن الحماس جيد في هذا الشهر، ولكن بالحد المعقول، فلا تحرم نفسك من أي شيء، و تناوله باعتدال؛ فالحرمان يولد الانفجار خصوصاً وانت قادم من عادات يوميه كنت تمارسها طيلة السنة من التركيز على تناول الطعام من مطاعم الوجبات السريعة و غيرها، و تريد الالتزام في هذا الشهر بطريقة صارمة غير منطقية.
وعليه لنستغل هذا الشهر بالتدرج والاعتدال بدلًا من الحماس والتجاوب بالالتزام والصرامة في أول اسبوع و من بعدها الملل والعودة للعادات الخاطئة بسبب الحرمان، لذلك فإن التدرج خير وسيلة.
أما عن النصائح فهي كالآتي:
* ابدأوا إفطاركم ب ٣ الى ٥ تمرات أو ٣ تمرات، وعدد ٢ من اللقيمات مع كوب من الماء لتهيئة المعدة لتستقبل الطعام، و يمكنكم كذلك شرب كوب أو طبق من الشوربة ثم الذهاب للصلاة و بعدها العودة إلى سفرة الطعام و شرب كوب من الماء مجدداً، وتناول كمية جيدة من الإفطار بعيدةً عن التخمة بمضغ الطعام جيداً وعدم الاسراع في الأكل ، كما يجب التوقف عن الاكل عند الإحساس بالشبع والنهوض من السفرة، ولا نريد ان نفصل بحسابات السعرات الحرارية والجرامات و غيرها؛ لأنه يمكننا الأكل باعتدال.
لكن من يود مزيداً من الدقة يمكنه أكل وجبة بروتينيه من لحوم و دجاج و أسماك وبعض البقوليات بمقدار قبضتين من اليد؛ فالبروتين يجعلك تشعر بالشبع لساعاتٍ طويله ، كذلك كمية النشويات من الرز او المعكرونة و غيرها يكون مقدارها كذلك حفنتين او قبضتين من اليد، أما الدهون فلتكن كميتها كمقدار إبهامين، والخضار قبضة يد، و حاولوا أن تنهضوا من السفرة وانتم تشتهون الطعام كما ورد في السنه النبوية.
* بعد ساعتين يمكنكم معاودة الأكل، والشهية ستكون معتدلة بسبب الافطار المعتدل ، ويمكنكم أخذ بعض الفواكه التي أغلبنا لا يأكلها في هذا الشهر؛ بسبب البدائل التي تسر العين من الحلويات كاللقيمات وأنواع الكعك والجلي والكريم كراميل والكنافة وغيرها، ولكن لنحاول تخصيص حصه إلى حصتين من الفاكهة في هذا الشهر؛ لما لها من فوائد كثيره، مثل: الفيتامينات و الألياف والبوتاسيوم الذي يقلل العطش، و كذلك نقلل رغبتنا في أكل السكريات والحلويات الأخرى، و نكرر: لا للحرمان، والاعتدال مطلوب، ويمكنك اخذ كميه بسيطة من الحلويات والأهم فصلها عن وقت الافطار فهذا وقتها الأنسب.
* عند السحور اختاروا ما تحبونه من الأصناف، ولكن لا تكثروا منها، وكرروا ما فعلتموه عند الإفطار من القيام من السفرة في أول احساسٍ بالشبع؛ فهذا سيقلل من شعوركم بالجوع في اليوم التالي.
* كذلك قللوا من اللحوم والاجبان التي تزيد العطش وأكثروا من الخضار عند السحور.
اذاً، الخلاصة هي: أنه علينا تقسيم الوجبات بدل أن نركز على وجبة او اثنتين وتكون كميات الاكل فيها مهولة، فهي التي ستشعرنا بالخمول والتخمة والثقل.
* إن وقت الافطار قصير، فلنشرب كوبًا من الماء كل ساعة لنقضي على العطش، وليستفيد منه الجسم ويقل شعورنا بالجوع، فأحياناً يحس الانسان بالجوع رغم تناوله لطعامه ولكن في الواقع يكون هذا الشعور بسبب العطش، كما يجب أن لا نشرب كمية من الماء دفعة واحده؛ فالجسم سيتخلص من الزائد لذلك يفضل كوب كل ساعة.
* ايضاً علينا تقليل المنبهات من الشاي والقهوة؛ لأنها تسبب الأرق ، وعندما نتكلم عن التغذية السليمة يكون النوم في مقدمة الأمور المطلوبة منا لتغذيه صحية وصحة جيدة، كما أن هذه المنبهات التي تحتوي على الكافيين والتورين تخرج السوائل من الجسم التي نحتاجها في هذا الشهر.
* بالنسبة للرياضة فهي ضرورية للصحة، يمكنكم ممارسة الرياضات الهوائية (الكارديو) قبيل الإفطار، ويُفضل في مكان يوجد به تكييف، والاعتماد على جهاز المشي والدراجة وجهاز الغزال بسرعة معتدلة لا أن نرفع من دقات القلب بشدة؛ فالجسم في هذا الوقت خالٍ من الطعام والطاقة، ويمكنكم زيادة شدة هذه التمارين بعد ساعتين من الافطار ، وكذلك يمكنكم ممارسة تمارين المقاومة من رفع الأثقال وغيرها التي تتطلب طاقة أكبر بعد الافطار بساعتين. أما لكبار السن فالمشي الخفيف مناسبٌ جداً
ماذا تود ان تقول في الختام؟
وأخيراً، نقول للجميع: تقبل الله أعمالكم وصيامكم و (هالله هالله) في طعام العيد والحلويات، كذلك يجب الاعتماد على أسلوب التدرج، أما اكل اللحوم وغيرها بنهم بعد صيام شهر كامل يضر بجسم الانسان، فالحالات كثيرة في المستشفيات من أول ايام العيد بسبب اللحوم التي نتناولها على وجبة الإفطار صباحاً والتي افتقدها الجسم لمدة ٣٠ يومًا نفاجئها باللحوم المقلية ثم الشواء وغيرها، فعليكم الحذر والتدرج لصحه أفضل.
ختاماً ومختصراً لكل ما ذكر اعلاه قول الباري عز وجل (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا).