د. نورية محمد الأصبحي
عُمان تحتل مكانة عالية ومهمّة على خريطة الأخلاق، وتحتفظ بها سلوكًا لامع في التعامل مع الجميع، عمان التي لا تنقضي عجائبها، فأنت تسير فيها برفقة الغمام المُمطر، إحساس مفعم بالشاعرية، تدغدغ روحك المسرات، وتلفظك على الفراش السعيد، ككائن خفيف، مُطلق السراح بلا رهقٍ.
عمان ثورة شعور يصل بك إلى أعلى ويعود بك في حيلة دائرية إلى نفس المكان، يا لروعة حظك إن مررت بها، يدهشك مزاجها الثري طيبة، حتى يعتريك شك منخرط في اليقين عن إمكانية وجودها على كوكب الأرض أو بين البشر، وأنت تنقل عيونك منبهرًا تشعر بهزة عميقة، لأول مرة تعيشها كالطيف.. تسبح في الضوء المفعم حيوية، تمنحك عمان الآمان آمان على هيئة ثقة مطلقة وتهديك للابتسام. كل شيء فيها يوحي بأن كل شيء على اروع ما يرام تعيش متعة تضاهي متعة النظر لسماء تمطر لأرض ترسل المحبة والسلام.
في تلك الديار ديار ظفار: يبتسم الأقحوان وتفوح منه رائحة النرجس الذي يملأ باحاتها ويغرقك في غمرة الألوان الآكاسيا ويطير فيك فضاء من الخضرة والأشجار والروض والغدير، بوفارديا الطيب، وهناك ما يغازل الأجفان وينهب ما في الصدر من نوى، وكلما قلت ارتويت تزيدك لوعة بروعة.. تشبهك باريس يا عمان بعض الشيء، هنا يا عالم، الطبيعة الضاحكة بوجه الصباح كالشمس والقمر والنجوم والكواكب والرياح والمطر والغيم والنسيم والمراعي، إنها صلالة تأخذك في دورة كاملة حول الأرض ومجموعتها الشمسية .في لحظة واحدة.
صلالة مسقط. أيات مرتلة في محراب الكون. تغريك توليب وزنبق الإيساتك والأوراكيد وخلال السماحة والنخوة العريقة كبقية باقية للعرب، تمامًا كزهرة الليلك، بإيقاعها التواتر أخلاق وإنسانية وانسيابية قوانينها واعرافها وعن جمال منطقها الصارخ في كل تهويماتها وايحاءاتها ورموز قياداتها وشعبها الإنسان، يقاسمون الطبيعة الساحرة سردًا يتخلله الأناة والإبتسام. تاركين لمن حولهم بصمة أنت في عمان وطنك الثاني.
يقابلون الأحداث في فلسفة راقية وتناص ثقافي وإنساني يحمل النخوة كشعب عروبي، يلقح التراث الجمالي النقي بثقافة حديثة مع الإلتزام بكل ما هو معتق.
مدينة نزوى، الرستاق، تحملاك لـــ عبق التاريخ وعفوية الحاضر وتضفيك زخم الحضارة الحديثة الضارب في هندسة مبانيها وعمقها الفكري الأنيق، حلة في معمارها العتيق يحاكي حقبة ذكية لأجداد انهالوا في تعميق الروعة مبانيها وقلاعها وهندسة مساجدها. تحفة البناء وبعد في الرؤية، تلك الأنامل التي رسمت حضورها وزخارفها على كل رقعة في مساحة شاسعة تنبئك عن ماضِ تليد. تغريك تتغلغل بأعماقك، تسكنها أو تدخلها زائرا لا فرق.. حضورها صاخب سحرك محافظة شمال الشرقية وجبال ولاية دماء والطائي؛ ضارب عمقها المتصل بالتنمية وهديل الغلال العابق، واذا سألت عن الطبيعة فكل شيء فيها يتحدث عن نفسه..لما حباها الله تعالى، فعند ولوجك إليها تهادنك بعيونها الرقراق بماؤها و ذاك الهواء العليل الذي يبث في النفس الانتعاش والسعادة، تذكرك بابتسامة صادقة تدهشك ولا تفهم سحرها و يثلج أطرافك بردها وتحرقك شمسها ويلفح وجهك ريحها، مدينة متطرفة في تعاملها مدينة لا تعرف الاعتدال كل ما فيها ساحر، عاصف حار، هادئ، نبيل. باذخة الكرم.
هذه المدينة المحفورة بين ثنايا التربة الملوّنة بوجوه الزراع، وجباه الفلاحين، وسواعد الأقوياء، وعرق الشغالين، ظفار الغائصة في عمق التاريخ، والمستيقظة في همسات السحب بصحبة الغيم، تكتنز بين جدرانها، بين أزقتها وحواريها، بين جبالها الرخامية، بين غاباتها، بين هضابها، بين وديانها، مرتفعاتها، بثنايا مواقع آثارها ذلك الاصطفاف المهيب والانحياز للجمال والخصوبة والأنفة والتاريخ وبقايا إنسانية عربية، تاريخها شاهد أنها لم تتوار خلف الأبواب الموصدة.
قدسية الحضور يتواتر على خدها الهدوء ويتوغل في عمقها القدم، ناعمة قوية يصعب مقاومة الوقوع في عشقها الآتي من أبعاد شتى ونوافذ مضيئة المغزى.
السلطنة سلطنة:
ذات طبيعة ساحرة ووافرة جمالاً.. جبالها الخضراء وسهولها الجميلة، تحاكي طبيعة ربانية النشأة وتلقائية الحضور، تعشش في رباها الطيور وتغرد على أفنان أشجارها الزهور… تشف لها الأذآن طربًا. أنى لبشر أن يصف خلاب أرجاءك يا عمان؟
قليل ونادر من منح نفسه الجرأة في وصف جنان الخلد الآسرة ولكنها محاولة الوصف وتحدي الوصوف يا جنان الخلد يا ظفار الظفر أنت. فإن كل يعيشك قد أمتلأت نفسه وعينه من فبلغ الذروة ما اعياهم عن الوصف يا فائقة الوصوف. تستنشق الثقة من الطبيعة كما أبدعها الله في الحقول والرياض والأنهار والجبال والسماء وقد امتلأت نفسه وعينه من جمال الحياة وجال الطبيعة، فراح يبرز هذا الجمال المعنوي في صور مختلفة من الجمال اللفظي، فانتقى الأساليب الصافية والألوان الزاهية، ودّبجها بزخرف البديع، ووشّاها بكثير من المجاز والتشبيه.
طبيعتها:
قوة جمالية خيالية ضاحكة: رياض وجنان نضارة وزينة ألوان عاطفية نعومة وانسجام وغلو في الإيحاء الروحي بالبهجة المترعة بالسلا، وشموس تتدحرج من قبابها البهاء، تمتلئ بالرغبة في الحياة فتشي بالروعة، بيئة مترفة، قصور شيدت بين أحضان الطبيعة، وبرك عتيقة، فن وبحر، سماء وجبال، أرض وإنسان، جميعها يصاغ الورد لها نرجسًا ونسمة، المتأمل لسحر الطبيعة تعتريه رهبة وطرب وإعجاب. أزهارها الأرجوانية تمنحك جمهور من فرح وتكريم وعربون تهنئة، وإقامة في جنّة وتمدك بذكريات لا تنسى، بجمال ثر وروعة آسرة، وتصطبغ بظلال وارفة وألوان ساحرة، تتنفس بجو عبق عطر يضاعف من روعته وبهائه ما يتخلل جنباتها من مواطن السحر ومظاهر الفتنة التي تبعث الانبهار والدهشة في النفوس.
إنسانها:
لطف يفوق الوصف بأناة نادرة الوصوف، ظل الجمال لمرايا النور، يهبك المقدرة على الاحترام فابن الجمال دهشة وبلوغ الأنسنة. تجاوب نفسي ومشاركة مُلحّة مع الطبيعة الخلابة، بساطة محلى باستعاجات عميقة لمبادئ الهدوء وتشابيه جميلة تدهش الحواس، فكأنه الإنسان السوي المتكامل الفائض بالحياة، جمال الطبيعة العمانية ورقتها، انعكاسها على الشعور وألبسهم حلّة نفسيّة نفيسة فأتت مشخّة هادفة، تتحد معهم انسانيًا وتخلد للسلام انسيابية متجانس بين العماني وجنته، وفي القضايا والأحداث يتعاملون بروح القانون وعقل بالمنطق وجمال بالإيحاء، وإنسانية في التصحيح. تحية من القلب لكل رجالات (ذكور وإناث) عمان على مستوى الدولة او الأشخاص (الشعب) يذكرونا بالعلاقة الأشقاء التي نساها العرب في عصرنا المٌر.
عمان سياسيًا: تشكل تحولًا فارقًا في تاريخ الخليج العربي، لكنها تتأثر بالشعوب فيشاطرها هموم وأشجان وتقاسمها المشاعر فتفيض لها حباً وحناناً، إنّ ذلك التفاعل الحاصل بينها وبين الإنسان مشهد طبيعي يفيض من حيوية ذوقها وفنها وقدرتها في أن تؤثر السلام ما جعلها دائمًا تنحاز للراحة والبعد عن القرارات غير محددة العواقب. فقط عمان تسقط حواسها في كل قضية عربية فتختار ليال أنسهم وضياء نهارهم وتشاطرهم المناجاة بعواطف تمتلئ بالحب والارتياح.
مواقفها:
من جيرانها وعروبتها ألتحفت الصمت عند غيم الرؤية، آثرت الإنحياز للسلام الأخوي والإنساني، وقالت كلام الكل صح يحتمل الخطأ، لهذا جعلت السلام والمحبة تقاليدها الدائمة.
انخرطت بالصلح دون استئذان ودون طلب رسمي في كل الأحداث الوطنية والمعارك غير الواضحة، ألت على نفسها الحفاظ على دم شبابها وأبناء السلطنة فإن لم تكن رقم في الصلح فلا تقف في منعطف التعب، فكانت عمان الآمان وسلطنة السلام في طياتها إنسانية الإنسان
لو خيرت في وطن سأكون عمانية يمنية.
سلام على رفيف ضوءك يا عمان
ولك الود كأنت للحياة عضد وأمان.
أستاذ الإدارة والتخطيط الاستراتيجي- جامعة إب- اليمن