بدر بن سالم العبري
أخذنا صباح اليوم الاثنين 20 أغسطس راحة في الصّباح، وهذا اليوم يوافق عيد الأضحى المبارك في معظم العالم الإسلاميّ ومنها سلطنة عمان، والعيد في أمريكا يوافق الثّلاثاء كما سنرى في الحلقة المقبلة، والأصل لنا موعد مع شهود يهوه والّذين تحدّثنا عنهم في الحلقة الماضية، والموعد السّاعة العاشرة صباحا، حيث يأتون إلى النّزل، فانتظرنا إلى قبيل الظّهر، ولم يأت أحد، ولنا موعد مع السّيد كريس في مشرق الأذكار السّاعة الثّانية ظهرا، فخرجنا وكان الجوّ ممطرا ورائعا إلى مطعم تركي يقدّم المأكولات العربيّة والتّركيّة، والقائمون بالمطعم في قمّة التّواضع والابتسامة وحسن الاستقبال.
وفي الحقيقة أرسلت للبهائيين من فترة أريد أعمل مقابلة حول الطّائفة البهائيّة، وجاءني الرّد عن طريق أحد الأخوة بترشيح بيت العدل أو المحفل للسّيد كريس، وهو رجل يجمع بين البسمة والشّدة، وكان متواضعا، وسبق الحديث عن مشرق الأذكار في شيكاغو.
وصلنا قبيل الثّانية ظهرا، وذهبنا إلى مكتبه، ثمّ أخذنا إلى مكتب صغير متواضع ملحق بمكتبه، وفي مكتبه توجد كتب بهائيّة باللّغة الإنجليزيّة، وسجلّت الحلقة في 20 أغسطس ضمن برنامج حوارات الحلقة التّاسعة والعشرين، وبثت في 23 أغسطس، ولقت قبولا طيبا والحمد لله تعالى.
في البداية تحدّث عن الشّيخيّة [أي نسبة إلى الشّيخ أحمد بن زين الدّين الإحسائيّ ت 1241هـ/ 1826م من الإحساء، مؤسس مدرسة في الفلسفة والحكمة والكشف، وهي ضمن الخطّ الأخباريّ في الشّيعة الإماميّة، ولها أنصار إلى اليوم خصوصا في الإحساء والكويت، ومنهم فيما يبدو المدرسة الشّيرازيّة]؛ أنّها ظهرت – أي الشّيخيّة – لتفسير الآيات والأحاديث، وبشرت بظهور المهديّ قريبا، فتحقق الأمر لدى الباب عليّ محمّد الشّيرازيّ [ت 1850م]، وأعدم من قبل السّاسة خوفا على مكانتهم، فجاء بعده بهاء الله الميرزا حسين عليّ [ت 1892م] فهو بهاء الله وظهوره، ونادى بوحدة الأديان، وجاء لإرجاع النّاس إلى الشّريعة، وظهر في عام 1863م.
وقال إنّ حضرة الباب أتى بمائة مجلّد من الكتب السّماويّة، وكذا بهاء الله أتى بمائة كتاب سماويّ، وكان تدوين الكتب السّماويّة سابقا عن طريق الحواريين، فعيسى – عليه السّلام – دوّن الإنجيل بعده من قبل الحواريين بعد ستين سنة من وفاته، والقرآن الكريم نزل خلال ثلاث وعشرين سنة، وأمّا البهائيّة فكان الرّسل يكتبون، وأحيانا يحرر غيرهم فيأذن لهم الرّسل، ومن أهم الكتب المقدّسة لديهم كتاب الأقدس، ثمّ الإيقان، وهو عبارة عن إجابة عن أسئلة في يومين أو ثلاثة، في حوالي مائتين صفحة، ثمّ جاء بعد ذلك عباس أفنديّ [ت 1921م] وله رسائل مقدّسة، ثمّ شوقي أفنديّ [ت 1957م] وكان له أيضا العديد من الإلهامات والرّسائل المقدّسة.
وقال إنّ منهج الله منذ الأزل وحدة البشريّة، لذا الرّسل جميعا جاءوا بمنهج واحد وفق طرق مختلفة، فحقيقة الرّسل واحدة لأنّ الغاية واحدة، والبهائيّة جاءت بدين جديد بعد الإسلام، وجاءت لتحقيق وحدة الجنس البشريّ أيضا.
وبيّن أنّ بهاء الله أسس من البداية الجامعة البهائيّة، وجاءت لتأسيس الفرد والمجتمع والإنسان، ولا يوجد عندهم رجال دين، وإنّما مؤسسات تحمي الجامعة البهائيّة، ويقصد بها المجتمع البهائيّ، وتنقسم إلى ثلاثة أقسام: المجتمع البهائيّ العالميّ أي في العالم كلّه، والمجتمع البهائيّ الوطنيّ أي على مستوى الدّولة الواحدة، والمجتمع البهائيّ المحلّيّ أي في المدينة أو القرية الواحدة.
ثمّ تطرق إلى مشرق الأذكار، وقال مشرق كلمة عربيّة من الشّروق، والأذكار من ذكر الله تعالى، وهو مثل المعبد والمسجد، ولا يشترطون أن يكون الدّعاء في مشرق الأذكار، كما أنّهم لا يشترطون أن يكون مشرق الأذكار محدودا في بناية معينة، وممكن أن يجعل مشرق أذكاره في بيته أو تحت الشّجرة، وهم لا يصلّون في مشرق الأذكار، فقط للأدعية والابتهالات، مع آيات حضرة الباب وبهاء الله، ومن القرآن الكريم، ومن التّوراة والإنجيل، أي العهدين القديم والحديث، وكذا من الجيتا، وبعض صحف البوذيّة، وكذا أحيانا يقرأون بعض آثار عبد البهاء عباس أفنديّ، وأمّا ولي الله شوقي أفنديّ لا يقرأون له، وعباس وشوقي ليسوا من الرّسل، وإنّما هم من الأتباع والمناصرين، ويقرأون أحيانا مع الألحان، ولكن لا يستخدمون الموسيقى في مشرق الأذكار، ويمكن استخدامها في البيوت.
وأمّا بيت العدل فقال هو أعلى مؤسسة بهائيّة تشرف على الجامعة البهائيّة بشكل عام في العالم، وينوب عنها المحافل الموجودة في كلّ أقليم، وهي منتخبة بشكل سريّ، ولا يرشح البهائيّ نفسه، ويتكوّن من تسعة أشخاص، ويتم انتخابهم في حيفا، وبيت العدل المؤهل الوحيد للإجابة عن أسئلة البهائيين، بما فيها المسائل المستجدة.
وبيّن أنّ الله تعالى هو الغيب المطلق الّذي لا يُدرك، وأمّا أسماء الإله كالله أو يهوه أو جود أو كريشنا جميعها ترجع إلى الحقيقة الواحدة، وتدخل في وحدة الإله.
وبيّن أيضا أنّ الكلّ يذهب إلى نفس المكان بعد الموت، ولكن تختلف درجاتهم حسب الصّفات الّتي اكتسبوها في الدّنيا، وأهمّها التّواضع والحكمة والعدل والمحبة، والجنّة والنّار هما النّور والظّلام، وهذه الصّفات تؤدي إلى النّور، وأمّا انعدامها فيؤدي إلى الظّلام أي البعد عن الله سبحانه وتعالى.
كذاك بيّن أنّه لا يوجد لديهم فلسفة ختم النّبوات، فسيأتي رسل بعد بهاء الله، وعندهم ثلاث صلوات: الصّغرى والوسطى والكبرى، أمّا الصّغرى من الظّهر إلى المغرب، وهي عبارة عن دعاء، والوسطى تصلى في الصّباح والظّهر والمغرب، وهي أيضا دعاء أطول من الصّغرى، وفيها ركوع وقعود، ولكن لا يوجد فيها سجود، وأمّا الكبرى فهي أطول من الاثنتين وفيها ركوع وسجود وقيام وقعود، والبهائيّ مخير أن يختار من هذه الصّلوات الثّلاثة.
وأمّا الصّيام عندهم تسعة عشر يوما، فعندهم السّنة تنقسم إلى تسعة عشر يوما في تسعة عشر شهرا، وعدد أيام السّنة عندهم أقل من ثلاثمائة وخمس وستين يوما، وعندهم سنة كبيسة أربعة أيام، ويمتنعون في الصّيام عن الطّعام والشّراب من شروق الشّمس وحتى غروبها.
وهم يحجون إلى قبر بهاء الله في حيفا، ويحج البهائيّ مرة واحدة في العمر.
وأمّا الزّكاة يسمونها بالصّدقة أو حقوق الله، والصّدقة بالاختيار، ويعطيها أمين الصّندوق بالسّريّة، ولا يخبر أحدا، وأمّا حق الله فهو الصّافي من المال على القادر، فيطهر ماله فيخرج منه تسعة عشر بالمائة، من المال المتبقي، وإذا زاد المال لا يخرج عنه لأنّه طُهِرَ، وإنّما يخرج من الزّائد، ويكون أيضا سريا.
وقال إنّ الرّقم تسعة عشر عندهم مقدّس؛ لأنّ حواري الباب تسعة عشر، وكذا أيضا حواري البهاء، ورقم تسعة أيضا مقدّس لأنّه من الآحاد، ويدل على الوحدة، وكذا كلمة بهاء بأرقام الحرف العربيّ يساوي تسعة.
وأمّا الأعياد والأيام عموما في البهائيّة مرتبطة بحياة الرّسل كيوم الولادة، ويوم الوفاة، ويوم إعلان الدّعوة في بغداد قبل النّفي إلى اسطنبول، وعددها اثني عشر يوما، ويحتفلون في اليوم الأول والتّاسع واليوم الثّاني عشر، وعندهم عيد الرّضوان في إبريل، وعيد النّيروز بعد الصّيام وهذا في العشرين أو الواحد والعشرين من مارس .[جاء في تعقيبات حلقة اليوتيوب من قبل Asd Ads: ليس شرط الإفطار عند البهائيّة يوم 21 مارس؛ بل بمجرد دخول الشّمس في برج الحمل، حتى وإن كان في منتصف الشّهر، ولو كان قبل الغروب الّذي هو الإفطار بدقيقة فعلى كلّ بهائيّ أن يفطر]، ويبدأ التّاريخ عندهم بداية بالبديع، والبديع هو أحد أصحاب بهاء الله.
ثمّ تحدّث أنّ جميع الأديان انقسمت إلى مذاهب، وحاول البعض أن يفعل ذلك في البهائيّة، ولكن كما يقول البهاء إنّ هذا الدّين لا يأتيه اللّيل، ففشلوا في ذلك، فهو كغصن الشّجرة إذا حاول البعض جعله مذهبا يبس فانكسر، [وقد جاء في موقع ويكبيديا على الشّبكة العالميّة أنّهم انقسموا إلى أربعة فرق: البهائيون العباسيون، وهم الغالبية، ويرون عبد البهاء عباس المفسر الوحيد لتعاليم أبيه، ولمركز العهد والميثاق، ومن بعده ولي الله شوقي أفنديّ؛ والثّانية البهائيّة الموحدون، التّابعة للميرزا محمّد عليّ ت 1937م، ويعتبرونه الغصن الأعظم، وولي أمر الله؛ والثّالثة البهائيون الأرثوذكس، ويرفضون أن تكون الولاية بعد شوقي أفنديّ لبيت العدل الأعظم، وإنّما لسكرتيره تشارلز ميسون ريمي ت 1974م المسمى أيادي أمر الله؛ والرّابعة فرقة التّربية البهائيّة، أو فرقة ريكس كينغ، ويرون أنّ تشارلز ميسون ريمي لم يكن وليّ الأمر وإنّما وصي مؤقت حتى يتقدّم أحد أحفاد بهاء الله الحقيقيين لتولي أمر الدّين البهائيّ، واعتبر ريكس كينغ أيضا نفسه وصيا مؤقتا وأفراد عائلته].
ثمّ تطرق إلى أهم المبادئ عندهم وهي المساواة بين الذّكر والأنثى، وترك التّعصب بجميع أشكاله سواء كان سياسيّا أم دينيّا أم اجتماعيّا أم عرقيّا، وتعديل المعيشة بحيث لا تكون فاحشة ولا تصل إلى درجة الفقر، وأنّ الاقتصاد العالميّ يبنى على الثّقة ووحدة الجنس البشريّ، والمطابقة بين العلم والدّين، مع تحري الحقيقة والبحث عنها، وعدم تقليد الآباء والأجداد، والخطوات الأربعة الّتي تقوم عليها البهائيّة: مجالس الدّعاء، وتدريس الأطفال، والاهتمام بالنّاشئة والشّباب، ودراسة كلمات بهاء الله، وبيّن أنّ المشاركة فيها لا يشترط أن يكون من البهائيّة؛ لأنّ الهدف وحدة الجنس البشريّ، وتحقيق السّلام العالميّ.
وأمّا العهد والميثاق فمعناه أنّ الله تعالى يوفي بوعده، فلن يترك البشريّة، وإنّما يقوم بهدايتها عن طريق إرسال الرّسل، ونحن كذلك علينا أن نفي بهذا العهد والميثاق عن طريق الاستجابة، والبشريّة اليوم تعاني من الحروب والفقر وخطاب الكراهيّة والمخدرات بجانب الأنانيّة والتّعصب، فنحن بحاجة أن نسعى لخدمتهم من خلال تحقيق السّلام العالميّ.
وختم حديثه أنّ مركزهم حيفا، وعددهم خمسة ملايين بشكل رسمي، وأعلى نسبة في إيران أي حوالي ثلاثمائة ألفا، وينتشرون أيضا في الهند وأفريقيا وفي شمال وجنوب أمريكا [وكأفراد في العديد من دول العالم].
وبعد التّسجيل ذهبنا إلى الأسفل في المبنى القديم، ويوجد متحف، وفيه الصّخرة الّتي وضع بها الأساس عباس أفندي في زيارته لشيكاغو 1912م، وأشرنا إلى ذلك سابقا، بعدها ذهبنا إلى قاعة لمخطوطات البهائيين، وفيها رسائل عبد البهاء وغيرها، بعد ذلك ذهبت إلى صلاتي الظّهر والعصر في الحديقة جمع تأخير، ثمّ ذهبنا إلى التّنزه في السّوق والعشاء، وبعدها رجعنا إلى النّزل لنستعد للذّهاب إلى صلاة عيد الأضحى المبارك كما سنرى في الحلقة القادمة.