أحمد بن علي الشيزاوي
لقد سَعُدَ كل مواطن عُماني شريف يعيش على أرض هذا الوطن الغالي بالنطق السامي لمولانا جلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه-، عندما قال:
“أما إذا انحرفوا عن النهج القويم واعتبروا الوظيفة فرصة لتحقيق المكاسب الذاتية وسلما للنفوذ والسلطة وتقاعسوا عن أداء الخدمة كما يجب وبكل إخلاص وأمانة فإنهم يكونون بذلك قد وقعوا في المحظور، ولابد عندئذ من محاسبتهم واتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة لردعهم وفقا لمبادئ العدل الذي أرسينا عليه دعائم الحكم، والتي تقتضي منّا عدم السماح لأي كان بالتطاول على النظام والقانون أو التاثير بشكل غير مشروع على منافع الناس التي كفلتها الدولة، ومصالح المجتمع التي ضمنها الشرع وايدتها الانظمة والقوانين”.
ومما لا شك فيه أن الثقة هي أساس النظرة إلى الموظف الحكومي، ابتداء بوظائف الخدمات، ومن بينها: السائق، والمراسل، والفراش، مرور بالوظائف الكتابية، فوظائف الإدارة التنفيذية وهم رؤساء الأقسام، فوظائف الإدارة الوسطى وهم مدراء الإدارات، والدوائر ونوابهم، فوظائف الإدارة العليا وهم مدراء العموم ووكلاء الوزارت والوزراء.
كما لا يفوتنا أن نشير إلى أصحاب المهن التخصصية العلياء: كالأطباء، والمهندسين، والقانونين، والمحاسبين، ودورهم الهام جدا في اتخاذ قرارات مصلحة عامة بشكل جوهري ومحوري.
ولكن لا ننكر وجود شريحة عمودية من بين كافة الشرائح الأفقية المذكورة أعلاه اتّسمت بوقوعها في المحظور، والذي يتمثل في الآتي:
1- اعتبار الوظيفة فرصة لتحقيق المكاسب الذاتية وسلما للنفوذ والسلطة.
2- التقاعس عن أداء الخدمة كما يجب وبكل إخلاص وأمانة.
3- التطاول على النظام والقانون أو التاثير بشكل غير مشروع على منافع الناس التي كفلتها الدولة، ومصالح المجتمع التي ضمنها الشرع وأيّدتها الأنظمة والقوانين.
وإذا أردنا أن نتحدث بشيء من التفصيل، نجد أن جميع من ذكروا أعلاه، وهم:
1- شريحة وظائف الخدمات.
2- شريحة الوظائف الكتابية.
3- شريحة وظائف الإدارة التنفيذية.
4- شريحة الادارة الوسطى.
5- شريحة (الوظائف القيادية).
6- شريحة المهن التخصصية العليا.
معرضون للوقوع في المحظور وفقا للتفصيل أعلاه.
فالسائق يمكن أن يستغل سيارة الوحدة الحكومية لأغراض شخصية، في أثناء الخدمة أو بعدها، وبذلك يكون قد وقع بالمحظور تحت بند اعتبار الوظيفة فرصة لتحقيق المكاسب الذاتية.
والمراسل يمكن أن يسرّب أسرار عمل خطيرة جدا نظير مقابل مادي؛ يمكن أن يسهم في تفويت حقوق أطراف أخرى، أو يوجّه إسناد مناقصات حكومية، أو يوجّه البعض إلى الاستفادة من تلك المعلومات لتحقيق مصالح ومنافع مادية بشكل أو بآخر، وكل ذلك تحت بند اعتبار الوظيفة فرصة لتحقيق المكاسب الذاتية.
والكاتب ومنتسبي شرائح وظائف الإدارة التنفيذية والوسطى، يمكن أن يقعوا في المحظور بتسريب المعلومات الخاصة بالعمل أو بتعطيل سير المعاملات الخاصة بالمواطنيين والمقيمين، إما تحت اشتراط طلب مقابل مادي، على هيئة هدايا عينية، أو مادية – رشا- بالإضافة إلى استغلال الموظفين والموظفات لتنفيذ معاملات شخصية، أو للحصول على منافع لا أخلاقية تتم أحيانا في موقع العمل وبقوة سلطة الوظيفية وضعف الموظف أو الموظفة، خوفا من قطع لقمة العيش جهلا بالقانون وحقوق الموظف، كل ذلك تحت بندي اعتبار الوظيفة فرصة لتحقيق المكاسب الذاتية، وسلما للنفوذ والسلطة والتقاعس عن أداء الخدمة كما يجب وبكل إخلاص وأمانة.
إما على صعيد شاغلي وظائف رؤساء الوحدات ومن في حكمهم (الوظائف القيادية)؛ فإن أخطر ما يمكن أن يقع فيه المسؤول بعد اتخاذ الوظيفة سلما للنفوذ والسلطة، هو التطاول على النظام والقانون أو التاثير بشكل غير مشروع على منافع الناس، فهذه الشريحة تملك حقّ الاستثناء من النظام العام، وتملك حق إصدار التفويض، وهو تخويل الصلاحيات إلى مستويات إدارية أدنى، ومن بينها التفويض، أو التخويل بالصلاحيات المالية بالصرف بسقف يمكن أن يصل إلى مستوى 250 ألف ريال عماني للأمر الواحد.
إن صلاحية الاستثناء والتفويض حقيقة هي بيت الداء رغم أنها دواء لبعض الأمور الإدارية والمالية العاجلة وتلك التي يلعب على وترها البعض، فالمنافع العامة تشمل كل ما هو مسخر لخدمة الشعب ويعتبر وبموجب الأوامر السامية والمنقولة عبر القنوات المختصة بأنها منطقة محظورة لا يجوز المساس بها أو تحويل استخدامها لأي غرض كان.
إن الإثراء غير المشروع وعلى حساب المنافع العامة للناس هو من أكبر المخالفات التي تستوجب الوقوف تجاهها بحزم وقوة، حيث أنها تهزّ من ثقة المواطن في حكومته، بل وتعمل كوقود للغضب الشعبي الذي ينتج عنه أمور غير محمودة العواقب.
كما أن المنتمين إلى شريحة المهن المتخصصة العليا، الذين بأيديهم مصالح ومصائر المواطنيين والمقيمين، واؤتمنوا على رعايتها، قد يقعوا في المحظور لاعتبار الوظيفة فرصة لتحقيق المكاسب الذاتية من خلال استغلال الوظيفية والتقاعس عن أداء الخدمة كما يجب وبكل إخلاص وأمانة حسب الآتي:
أولا: الطبيب الذي يحويل المرضى إلى عيادته الخاصة أو مستشفى يعمل به الطبيب لخدمة مكاسب مادية يحققها، كما أن عدم العمل بإخلاص وضمير عند معاينة المريض هو مداعاة كبيرة للوقوع في المحظور.
ثانيا: بالنسبة للمهندس، من خلال إصدار تقارير مهنية تخلو من الحقيقة ةو تشوّهها لصالح المقاول أو منفذ العمل، فكم من جريمة اقترفت بحق الوطن والمواطن بتقارير حول إكمال الأعمال أو جودتها من قبل البعض نتيجة مصالح اكتسبت.
ثالثا: القانوني: القانونيون هم مؤتمنون على معاملات المواطنيين وآرائهم القانونية يمكن أن تحرك معاملة غير مستوفية الشروط قانونا، أو تعطل أخرى مستوفية الشروط لضغط على صاحب المعاملة لتحقيق مكاسب مادية.
رابعا بالنسبة للمحاسبين: المحاسب هو من يعكس المواقف المالية للوحدة، وهو من يستطيع أن يطمس الحقائق أو يظلل متخذ القرار نتيجة ما يحمله من صلاحيات في جانب عمله، والمحاسب أيضا بتقرير يعتمده حول جهة تنفيذ عمل للوحدة يمكن أن يظلم الوطن والمواطن من خلال تمرير معاملات مالية غير مستوفية، أو من خلال تحقيق وفورات مالية يستغلها بطريقة شخصية وخصوصا على صعيد الإيرادات النقدية بالصندوق.
والسؤال المطروح أمامنا هنا:
هل ستختفي هذه النماذج من بلدنا الحبيب؟
وماذا نتوقع من الجميع على صعيد محاربة كل ذلك؟