شؤون عمانية- صالح البلوشي
إلى جانب المكان الذي اختاره معالي يوسف بن علوي بن عبدالله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية لإلقاء محاضرته أمس، وهو النادي الثقافي بالقرم الذي يحتل مكانة رمزية باعتباره من المؤسسات الثقافية المهمة في البلد الذي يجمع المثقفين على اختلاف أفكارهم ومدارسهم الثقافية والمعرفية، فإن توقيت المحاضرة اكتسب أهمية خاصة أيضا، نظرًا للأحداث الساخنة وبالغة الخطورة التي تمر بها المنطقة منذ عدة أشهر، وأهمهما الأزمة الخليجية التي تُمثل أهم تحدٍ تشهده منظومة مجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه سنة 1981.
ولهذه الأسباب، وغيرها، لقيت محاضرة بن علوي اهتماماً كبيراً لدى المثقفين والمتابعين للشأن العماني داخل السلطنة وخارجها.
ولقد كان معاليه صادقًا في أجوبته، دبلوماسيًا في كثير من ردوده – كعادته – ، مسهبًا في القضايا التي يرى أنها تستحق الإسهاب وموجزًا في مقام الإيجاز.
وقد ابتدأ معاليه المحاضرة بالحديث عن السياسة الخارجية للسلطنة، وأكد مجددا السياسة التي تسير عليها السلطنة منذ النهضة المباركة سنة 1970 التي تتمثل في عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وحل الخلافات بالطرق الدبلوماسية، حيث أوضح أن السلطنة بتوجيهات صاحب الجلالة السلطان المعظم تسير في مسار واضح لا يضر أحدًا ولا يترتب عليه أي خطر، وبُني على قواعد الصدق والشفافية وعدم الانغماس في أجندات خفية.
كما أشار معاليه أن فكر صاحب الجلالة المعظم – حفظه الله ورعاه – يقوم على الإكثار من الأصدقاء والتقليل من الخصومة مع الآخرين، مؤكدًا أنه ليس للسلطنة خصومة اليوم مع أحد، وهذا واضح جدًا لمن يتابع السياسة الخارجية العمانية اليوم، ففي الوقت الذي تمتلك فيه السلطنة – على سبيل المثال -علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، فإنها في الوقت نفسه تحتفظ بعلاقاتها القوية مع إيران، كما أن السلطنة كانت من الدول العربية القليلة التي احتفظت بعلاقاتها الجيدة مع الحكومة السورية بعد أحداث عام 2011 ، ولكنها في نفس الوقت كانت تحرص على فتح قنوات حوار مع المعارضة السورية المعتدلة من أجل إيجاد حل سلمي للأزمة التي تعصف بالبلاد منذ عدة سنوات ، ففكر السياسة العمانية يقوم على التفاوض والحوار ونبذ كافة أشكال العنف في حل الخلافات بين الدول.
ومن الملفات الساخنة التي طرحها معالي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في المحاضرة كان القضية الفلسطينية، خاصة بعد الاتصالات العمانية الإسرائيلية الفلسطينية التي حدثت في الأشهر الأخيرة وأثارت كثيرا من الأسئلة في مواقع التواصل الاجتماعي، وكعادته، كان معاليه صريحا في محاضرته وأكثر صراحة في أجوبته على بعض الحضور، عندما أكد وبالبند العريض أن القضية الفلسطينية بالنسبة للسلطنة هي خط أحمر ولا يمكن المساومة فيه، وأن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ضرورة استراتيجية، ليست فقط للفلسطينيين؛ وإنما لمحيطهم بالكامل.
وحول الاتصالات التي حدثت خلال الأشهر الأخيرة بين السلطنة من ناحية وإسرائيل والسلطة الفلسطينية من ناحية أخرى لم يضف معاليه شيئا جديدا عما أكد عليه في تصريحات سابقة له بأن هذه الاتصالات حدثت برغبة الطرفين من السلطنة بتسهيل الحوار بينهما لثقتهما بأنها ليست لديها برامج خفية. وهذه الثقة في السلطنة التي تحدث عنها بن علوي بالأمس هي نفسها التي جعلت من دول 5 + 1 قبل سنوات قليلة تطلب من السلطنة بالتوسط بينها وبين إيران لتسهيل المفاوضات النووية التي أسفرت عن توقيع الاتفاق النووي بينها وبين إيران في عام 2015 قبل أن تنسحب منها إدارة الرئيس الأمريكي ترامب في مايو 2018 من طرف واحد.
كما أكد بن علوي سياسة عمان الثابتة التي تتمثل في عدم نجاح أية مفاوضات عربية إسرائيلية ما لم تكن هناك دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة.
وقد أثار معالي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية نقطة بالغة الأهمية غفل عنها كثيرون من العرب وربما كثير من الفلسطينيين أنفسهم، وهي: أن الطرف الفلسطيني هو الطرف الأقوى وبإمكانهم قبول أو رفض بحسب ما يرونه مناسباً لهم. وأذكر أن كثيرا من المفكرين العرب طرحوا هذه النقطة في كثير من مقالاتهم وأذكر منهم المفكر التونسي الراحل العفيف الأخضر الذي كان يقول دائما أن إسرائيل لا تخشى الحرب وإنما تخشى السلام. فإسرائيل تمتلك ترسانة كبيرة من الأسلحة النووية إضافة إلى ما تمتلكه من أسلحة تقليدية متطورة التي بإمكانها هزيمة أية دولة تدخل معها في صراع مسلح، ولكن الوقائع أثبتت أن إسرائيل لا تريد الحرب؛ لأنها تعلم جيدا أن تكلفتها البشرية ستكون باهظة جدا عليها، ولذلك فإن بن علوي يرى أن الفرصة سانحة اليوم من أجل التوصل إلى سلام دائم في المنطقة يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، وهذا السلام لن يتحقق بكل تأكيد إلا برغبة الشعب الفلسطيني نفسه، ولا تستطيع قوة في الأرض أن تفرض عليه سلاماً لا يريده.
لقد وضع معالي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في محاضرته أمس السبت النقاط على الحروف في كثير من القضايا التي تطرق إليها، وأثبت مجددًا أن السياسة العمانية لا تنحاز إلا للحق.