محمد بن عيسى البلوشي *
لا يختلف إثنان من المختصين أن واقع الصحافة الورقية في عمان أصبح متأثرا بالعديد من التطورات التي شهدتها مع توسع منتجات الفضاء الرقمي المتسارعة، وأيضا تأثر الاقتصاد بالأزمة المالية العالمية والتي تغيرت معها سلوكيات الإعلان الورقي والتقليل من شراء الصحف المؤسسي، وتزامن معها ظهور صحف ومواقع وأدوات إلكترونية منافسة لأداء الصحافة الورقية من حيث بث الاخبار ونشر الإعلانات.
حسنا فعلت جمعية الصحفيين العمانية عندما قررت تنظيم ندوة متخصصة تبحث فيها واقع الصحافة الورقية وتحدياتها المتجددة، وتتدارس الحلول الاستراتيجية الضامنة لاستمراريه وديمومه الصحافة الورقية العمانية، وهذا ما يُحسب للجمعية المتخصصة لبحث ومناقشة مثل كهذا مواضيع إعلامية مهمة.
أجد في أجندة الندوة التي أعدها المختصون والمهتمون بهذا الملف الإعلامي الهام، العديد من المحاور الجيدة للطرح، إلا أنني أبحث في هذا المقال عن الحلول الجذرية لهذا التحدي المتجدد، وأرجو أن يتسع وقت المشاركين لمناقشتهما بصوت مسموع في هذه الندوة.
يتفق معي الاقتصاديون بأن المؤسسات الصحفية التي ولدت مع بداية النهضة المباركة أصبح لها كيانها الاقتصادي وتأثيرها في مجالاتها بعد مرور سنوات طويلة على نشأتها، وأضحى من الأهمية بمكان أن تطبق تلك المؤسسات نظام الحوكمة بحيث تعمل وفق منهج عمل يتناغم مع فكرة المؤسسات التجارية الاعلامية العالمية، لا أن يتم معاملتها كمؤسسة فردية ينفرد فيها أصحاب القرار بقرارتهم التي قد تكون مؤثرة على سير عمل المؤسسة، وهذا ما نستطيع أن نبدأ به مع وصول العديد من أسماء المؤسسات الصحفية إلى مكانه كبيرة سواء من الناحية الإعلامية أو كأسماء لها وزن وثقل إقتصادي.
أما النقطة الثانية والتي يمكن أن يتم النظر إليها باهتمام كبير هو ضرورة وجود مجالس إدارة مستقلة بها أعضاء من مختلف الجهات المعنية والأكاديمية ترفد الإدارة التنفيذية للمؤسسة الصحفية وتراقب أدائها وتعينها على استشراف مستقبلها، وهذا ما ساعد الكثير من المشاريع والشركات العائلية للاستمرار والمحافظة على كيان مؤسساتها الاقتصادية وتوسع أعمالها بما يمكنها من الاستمرار ومواجهة العديد من التحديات، ولا ضير أن تتحول إلى شركات مساهمة عامة تكون مدرجة في سوق الأوراق المالية.
أما النقطة الثالثة والتي من المهم أن تعمل المؤسسة الإعلامية على مراجعتها، فهي الرسالة الإعلامية التي تبثها التي نتسائل: هل لا زالت مشوقة للمتلقي؟، والسؤال هنا: ماذا يبحث المتلقي في الأخبار التي تنشرها وسائل التواصل الاجتماعي ويكتفي بها؟ ولماذا لم يعد البعض حريصًا على اقتناء الصحف؟، ولربما تقودنا الإجابات إلى أن نصل لحقيقة مهمة تقول أنه أصبح من الأهمية بمكان مراجعة الرسالة الإعلامية، وأن تعمل المؤسسات الصحفية على تطويرها بحيث تكون أكثر جاذبية للمتلقي وتلامس إحتياجاته وتطلعاته.
أما عن شق الاستثمار المؤسسي، فليست الحقيقة المطلقة بأن الصحف تستثمر فيما تنشره من أخبار وإعلانات وطباعة المطبوعات وتوزيعها، لأن جميع ما ذكر من استثمارات هو عبارة عن استثمار وضع في سله واحدة ويمكن أن يتأثر في أي وقت وهو استثمار في قطاع النشر والمطبوعات، وينصح الكثير من الاقتصاديين أن تتنوع الاستثمارات المؤسسية بحيث تمكنها من تنويع مصادر دخلها وتستطيع أن تغطي إحتياجاتها المالية في قطاع النشر الذي هو الآخر يمر بالعديد من التقلبات، وهنا ندعو المجتمعين إلى مناقشة ملف وجود وحدة إستثمارية في المؤسسات الصحفية بحيث تمكنها من تنويع الاحتياجات المالية التشغيلية الجارية وأيضا تعزز الملائة المالية لديها.
إن وزارة الاعلام مدعوة اليوم إلى تعزيز دور المؤسسات الصحفية ونشر تواجدها في جميع محافظات السلطنة، وأجد لها في هذا الجانب مهمة إعلامية أساسية وهي إنشاء مراكز إعلامية دائمة في جميع محافظات السلطنة تستفيد الوسائل الصحفية والإعلامية من خدماتها المباشرة، وبحيث تستطيع الصحف أن تقلل من مصاريفها التشغيلية بوجود مكاتب في خارج محافظة مسقط.
كما أرجو النظر في ضرورة تقديم دعم غير مباشرة لمدة ٥ سنوات قادمة للمؤسسات الصحفية وذلك لتعزيز برامجها الاستثمارية الغير مباشرة والتي تتكفل بتوفير المصاريف التشغيلية المباشرة، وايضا يتم منح المؤسسات الصحفية أراضي إستثمارية لتعزيز الأصول لديها لضمان وجود تدفقات نقدية مباشرة إليها من عوائد تلك الاستثمارات.
*كاتب وصحفي إقتصادي