الكاتب: حسن بن عبدالله العجمي*
تعدُّ التربية بأسلوب القدوة الصالحة من أهم الأساليب التربويّة، فهي وسيلة لإكساب الأفراد أنماط من السلوكيات والتصرّفات الصحيحة، وتعديل أنواع من السلوكيات والتصرّفات الخاطئة، ويذهب علماء النّفس إلى أنّ الإنسان يميل إلى اتخاذ القدوة التي يقتفي أثرها ويقلّدها في سلوكياتها وتصرّفاتها، فإن كانت صالحة فالمقتدي بها يتأثر بها إيجابيّا، وإن كانت العكس فإنّ تأثيرها عليه يكون سلبيًّا.
ولا شك أنّ الوالدين هما أوّل من يفتح الطفل عينيه عليهما ويتأثر بهما، ويمكننا تشبيه الطفل بالكاميرا التي تلتقط الصور وتسجل الأصوات، فهو يلتقط تصرّفات وسلوكيات والديه صوتًا وصورة، الصالح منها وغير الصالح، ويحاول أن يقلّدهما فيها، فعلى الوالدين أن يستغلّا ذلك في تربية أبنائهما التربية الصحيحة السليمة فيكونا قدوة حسنة لهم.
وبما أنّ الطفل يكون في المراحل الأولى من حياته أكثر لصوقًا بأمّه وتعاملًا معها من أبيه، فعلى الأم أن تبتعد عن العادات والأخلاق والسلوكيات السلبيّة، لأنّ طفلها يكتسب منها عاداتها وسلوكياتها وأخلاقها أكثر مما يكتسب من غيرها من أفراد أسرته، وبترسخ ذلك في نفسه فإنّه من الصعب تغييره عنها في المستقبل، ولهذا وغيره ندرك الغاية من توجيه الشريعة الإسلامية الرّجل عند الاختيار للزواج إلى انتقاء المرأة المتديّنة ذات الأخلاق الفاضلة والسجايا الحميدة، لما لها من كبير تأثير على أبنائها في التزامهم بدينهم وصلاح أخلاقهم. (ولا ينحصر اقتداء الطفل في نطاق الأسرة بأبيه وأمّه فقط، فهو يأخذ من كل أحد من الأجداد والجدّات والأخوة الكبار، ولذلك يوصي علماء التربية بالاهتمام جيّدًا بتربية الولد الأكبر سواء كان ذكرًا أم أنثى لما لسلوكياته من تأثير على من هم أصغر منه من أخوته).
وليتجنب الأبوان فعل كل ما يمكن أن يؤثر في شخصيتهما على جانب الاقتداء بهما، لأنّ من الأخطاء التي يرتكبها بعض الآباء والأمّهات أنّهما يظهران خلافهما والتوتر الحاصل بينهما أمام الأبناء، ومع ما لهذا التصرّف من سلبيات كثيرة على الأبناء – من التأثير السلبي الحاصل على نفسياتهم، وشعورهم بعدم الاطمئنان والاستقرار، أو يفضي بهم إلى أن يكونوا انطوائيين وانعزاليين لا سيما مع سعة الخلاف وتطوّره وتكراره، بل قد يجعل ذلك منهم أشخاصًا منحرفين مشاكسين يمارسون العنف في بعض سلوكياتهم مع الآخرين إذا ما اتّخذ خلاف الوالدين طابع العنف الشديد(1) – فهو أيضًا يؤثر على جانب الاقتداء في شخصية الوالدين، فالأب يوجه لزوجته الاتهام والنّقد المشوب بالعنف وأنّها هي المخطئة وسبب المشكلة والخلاف الدائر بينهما، ويصفها بأوصاف غير لائقة، أو يعتدي عليها بالضرب أمام أبنائها، والأم بدورها تجابه الأب فتكيل له التهم، وتصفه بالأوصاف غير الحسنة، فعندما يسمع الأبناء كل هذه الكلمات والتي سيصدّقونها، ويشاهدون هذا العراك بين أبويهم فمما لا شك فيه أنّ علاقتهم بهما ستتأثر، وستتغيّر مشاعرهم وأحاسيسهم تجاههما، وستهتز شخصيتهما أمامهم، وذلك مما يؤدّي إلى أنْ لا يصغي هؤلاء الأبناء لتوجيهاتهما وإرشادهما ونصحهما لهم، ويتحوّل الوالدان بذلك من قدوة حسنة للأبناء إلى قدوة سيئة.
ولذلك فعليهما أن يتجنّبا من إظهار أيّ مشكلة أو خلاف قد يحصل بينهما أمام أبنائهما، وأن يعالجا خلافهما ومشاكلهما بعيدًا عن مسمع ومنظر الأبناء.
ثم وبعد أن يذهب الطفل إلى المدرسة يرى في معلمه أنّه قدوة أيضًا، فالمعلّم لا يقتصر تأثيره في تلميذه على إيصال المعلومات والحقائق فقط، وإنّما يؤثر فيه أيضًا بسلوكه، سواء أكان سلوكًا سويًّا أم غير سوي، صالحًا أم غير صالح، حسنًا أم غير حسن، فإنّ تصرفات المعلم التي يمارسها أمام تلامذته غالبًا ما تكون مورد تأثير فيهم، فلا بد إذًا من أن يكون سلوكه صالحًا ليكون ذلك موجبًا لصلاح سلوكيات تلامذته.
فكما أنّ مسؤوليّة الوالدين في إصلاح أبنائهم كبيرة وعظيمة فكذلك هي مسؤولية المعلم، وبصلاح الوالدين والمعلم يخلق جيل من الشباب الصالحين، الذين يؤثرون في مجتمعهم ووطنهم وأمتهم إيجابيًّا، ويكونون أهلًا لتحمّل المسؤوليّة والقيام بالدّور المنوط بهم في المستقبل؛ من خدمة المجتمع والوطن والأمّة بكافة أشكال الخدمة وأنواعها، وفي جميع المجالات وعلى كافة الأصعدة والجوانب، كل في مجال عمله ومورد تخصصه.
ولا بدّ أنْ لا يكون القدوة في سلوكه وتصرّفاته مخالفًا لما يدعو إليه، بمعنى أنّ يكون متصفًا بما يحاول أنْ يوصله إلى الغير أو يأمر به الآخرين من سلوك أو خلق، فـيلزم الآباء والأمهات في تربيتهم للأبناء أن يلزموا أنفسهم بالقيم والأخلاقيات والسلوكيات التي يريدون من الأبناء أن يلتزموا بها، وإلاّ فلن يكون لتوجيههم أيُّ صدى أو تأثير وثمرة.
ينزعج بعض الآباء والأمهات كثيرًا في حالة ما إذا اكتشفوا أنّ ابنهم يمارس الكذب عليهم وعلى الآخرين، وقد يستنجد بعضهم بالمتخصصين لمعالجة هذا السلوك غير السوي لابنهم (2)، ولكن قد يكون الوالدان أو أحدهما السبب في تخلق الابن بهذا الخلق، لأنّهما هم من دفع به إلى ذلك بممارستهما للكذب مع علمه بكذبهما، أو بالأمر له بالكذب كما يحصل أحيانًا عندما يريد أحدهما التخلص من موقف ما، كما مثلًا في حالة ما إذا جاء أحد الأشخاص يسأل على الأب، والأب لا يريد مقابلة هذا الشخص واللقاء به، فيطلب من الابن أن يقول له بأنّ والده غير موجود في البيت أو أنّه نائم مثلًا، فبهذا التصرف من الأب يكون قد دفع بابنه من حيث يشعر أو لا يشعر إلى التخلّق بخلق الكذب القبيح.
فمن غير المنطقي ولا المقبول أن ينهى الآباء الأبناء عن النميمة وهم نمامون، وعن الغيبة وهم يغتابون، وعن الكذب وهم يكذبون، ويأمرونهم بالصلاة وهم عن ساهون أو لها تاركون، وقد ورد الذّم في الكتاب المجيد لمن يخالف قوله فعله، فيأمر غيره بالشيء ولا يأتمر هو به، قال تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) (البقرة: 44).
وقال الشاعر:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله *** عار عليك إذا فعلت عظيم
المصادر:
(1) تشير الاحصائيات الصادرة عن مركز التوعية والإرشاد [في الأردن] أنه ومنذ إطلاق برنامج “مجابهة العنف الأسري” في العام 1996 وحتى الآن [2006م] راجع المركز ما يقارب الـ “1500” طفل يعانون من اضطرابات في السلوك جراء شجار الأزواج أمامهم.
وتشير الدراسات الاجتماعية إلى أنّ الأطفال الذين يشهدون مشاكل الأبوين، يمارسون السلوك ذاته مستقبلًا مع زوجاتهم وأبنائهم) (جريدة الغد الأردنية، الجمعة، 15 سبتمبر 2006م).
(2) البحث من قبل الوالدين عن علاج لسلوكيات أبنائهم الخاطئة عند المتخصصين قليل ونادر، وهو تقصير منهما فما داما غير قادرين على تعديل السلوك الخاطئ لأبنائهم فينبغي عليهم طلب ذلك من أهل الاختصاص والأخذ بتوجيهاتهم ونصائحهم.
*كاتب متخصص في القضايا الإسلامية