بدر بن سالم العبري
سدل مساء الأمس السّبت 2 مارس 2019م ستار معرض مسقط للكتاب في دورته الرّابعة والعشرين، وكان بحق تظاهرة رائعة ضمّت العديد من المناشط الثّقافيّة، والإصدارات الجديدة والمتنوعة، وفي هذا اللّقاء أشكر الجهة المنظمة عموما، ووزارتي التّراث والإعلام خصوصا، وجميع من شارك وفعّل ودعم.
والملحظ في هذا العام تدارك السّلبيات بشكل سريع جدا، والتّطور الكبير، ممّا يجعل المعرض يسير إلى الأمام بقوة كبرى، لتكون له مكانته العالميّة بإذن الله تعالى، كما كان لعمان سلفا دورها في أسواق العرب؛ فهي وإن كانت تجاريّة؛ إلا أنّ الأدباء والشّعراء وأهل العلوم يقصدونها للقاء بعضهم، وللتّنافس في الشّعر والخطب، فكان أشهرها سوقان: سوق صحار ودبا ويعقد بين العاشر من رجب وحتى الخامس عشر منه، وسوق عُمان ويعقد آخر ربيع الثّاني وحتى بداية جمادى الأول.
وسبق العام الماضي أن كتبنا عن بعض السّلبيات كما كتب العديد أيضا، ورأينا تدارك الجهة المنظمة ممّا يدل على إرادة واضحة للتّطوير والإصلاح، إلا أنّه كثر هذا العام جدليتنان في المعرض، مع ملحوظة واقتراح أذكرهما في آخر اللّقاء.
أمّا الجدليّة الأولى فهي كثرة الإصدارات العمانيّة خصوصا والّتي أحصتها الأستاذة بدرية الملاك حوالي أربعة وثمانين وثلاثمائة إصدارا جديدا، حيث رآها البعض حالة سلبيّة فكثرة العرض يدلّ على قلّة الجودة، وبالتاليّ يزاحم السّيء الحسن، ورآها آخرون حالة صحيّة من حالات التّدافع الطّبيعيّ.
وشخصيّا أميل إلى الرّأي الأخير؛ لأنّ سبب انتشار الكتاب هو توفر مناخ الحريّة في وسائل التّواصل؛ ممّا حرك القلم والعقل؛ ليبدع كلّ واحد في مجاله، كما أنّه نشط لوجود قراء يدعمونه ويساندونه، فضلا عن كثرة الدّارسين للدّراسات العليا، فيقدّمون ثمرة رسائلهم وأطروحاتهم، مع أنّ الكاتب يخسر ماديا أكثر ممّا يستفيد، إلا إذا لقي دعما أو مساندة من جهة، كما تفعل الجمعيّة العمانيّة للكتّاب والأدباء، والنّادي الثّقافيّ، وذاكرة عمان، ونحوها.
فالتّدافع أمر جميل، وفتح الحرية في ذلك أجمل وأحسن، فالتّدافع في ظلّ الحريّة يولد الإبداع، والإبداع يولد حسن العمل والنّتاج، وإظهار القدرات، والزّمن هو من يحكم، فما ينفع يبقى في الأرض لزمن أطول، فكم من مؤلف ألف فوق المائة وأكثر، ولكن الّذي بقا واشتهر وانتشر ربما كتاب أو كتابان أو ثلاثة، وهذه سنّة المعرفة والتّدافع حولها.
والجدليّة الثّانية قضيّة سحب بعض الكتب من المعرض، وانقسم حولها البعض، فمنهم يؤيد، ويقول هذا من حق الجهة المنظمة فيما تراه حسنا، وآخرون وهم الأغلب اعترضوا لأسباب عديدة منها أنّ زمن منع الكتاب انتهى، والثّاني أنّ معرض مسقط سجل أعلى معدلات الحريّة في الكتاب على مستوى كبير، والسّحب رجوع إلى الخلف، ولأنّ سبب السّحب غير ظاهر أصلا، ولسنا هنا في محلّ النّيابة لنحلل ذلك.
المهم في نظري التّفريق بين المصادرة والمنع؛ لأنّ المنع عادة يكون من جهة قضائيّة، أو على الأقل برؤية واضحة وعادلة، فإذا ارتفع ذلك كان مصادرة، وأيّا كان في الحقيقة مصادرة أو منع كتاب هو نشر للكتاب، فالكتاب إذا منع كان أكثر إقبالا، والممنوع مرغوب كما قيل قديما، واليوم وسائل الحصول عليه سهلة جدا، منها عن طريق شركات التّوصيل المحلّيّة والكترونيّة، ومنها عن طريق مراسلة الدّار ذاتها، ومنها معارض الكتب القريبة، ومنها تحميل الكتاب الكترونيّا.
والأصل في نظري أنّ الكلمة تدفع بالكلمة، والقلم يقابله قلم، مع احترامي لقرارات الجهة المنظمة ولكن برؤية واضحة ممكن مناقشتها ونقدها.
وأخيرا قضيّة الورشات، وهذه في نظري مهمّة، وقد لا يراها المنظمون مهمّة، ومع هذا احترم وجهة نظرهم، حيث أراها أجدى من المحاضرات، ولا يقتصر عند الورشات القرائيّة بل تتعدى الجوانب الفكريّة والفلسفيّة والمعرفيّة والاجتماعيّة، مع حضور بعض المؤلفين لعمل ورشات حواريّة في قراءة كتبهم ومناقشتها، فهذه رأيتها في تونس الخضراء في فضاءات معرضهم، وهي مهمّة جدّا، ولها لمساتها وإيجابياتها.
كما أنني أقترح أن يكون ضيف الشّرف دولة عربيّة أو غيرها من الدّول، وليس ولاية عمانيّة؛ لأنّ المعرض دوليّ، وعادة في معارض الكتب ضيف الشّرف دولة تقدّم نتاجها الفكريّ، وعاداتها وتقاليدها وفنها، ويشارك بعض كتابها والمبدعين والفنانين، ليتعرف عليهم عن قرب، حيث أنّ ولايات السّلطنة قريبة العادات والثّقافات، فهذه يمكن أن يكون لها ركن لا أن تكون ضيفا، خلاف لو كان الضّيف دولة تشارك بثقلها الثّقافيّ والفنيّ والمعرفيّ.
عموما المعرض كان أكثر من رائع، وجماله مع التّعاون الّذي ساد الجميع، والمنافسات الشّبابيّة والإبداعيّة والفنيّة الّتي صاحبته، مع التّنظيم والإخلاص من قبل العاملين فلهم الشّكر الجزيل، والثّواب الكبير، ومن لا يشكر من أخلص لم يشكر من أُخْلِصَ له.