شؤون عمانية- فايزة محمد
ضمن إصدارات الجمعية العمانية للكتاب والأدباء صدر مؤخراً كتاب في أدب الرحلات بعنوان “ عشر سماوات فاتنات ” للكاتب والصحفي خلفان الزيدي ،وسيكون الكتاب متوفرا في معرض مسقط الدولي للكتاب الذي سيقام في الفترة من 21 فبراير الجاري حتى 2 / مارس / 2019 بركن الجمعية.
وفي حوار خاص مع صحيفة ” شؤون عمانية ” مع المؤلف حول إصداره الجديد قال: ” عشر سنوات فاتنات” هو الإصدار الرابع لي في مجال أدب الرحلات، بعد “نحيب النهر” الذي تناول رحلة إلى بغداد، و”خطاوي الطير” وضم مجموعة من الرحلات بين مسقط وواشنطن مرورا بالقاهرة وصنعاء وبيروت وباريس ولندن وفينا والأندلس والبوسنة.. ثم “الطريق 60” والذي وثق رحلة إلى الأراضي الفلسطينية من اريحيا إلى القدس ورام الله ونابلس والخليل وبيت لحم.
في هذا الإصدار ــ “عشر سنوات فاتنات” ــ سيحلق القاريء كما عنوان الكتاب في سماوات عشر دول ومدن مختلفة بعناوين تميز كل مدينة، بدءا من دمشق، والقاهرة، والبحرين، والمغرب، وجزر القمر، وقبرص، وباكستان، ومدينة جودوود في الريف الإنجليزي، ومدينة بادربورن الألمانية، والصين.
والكتاب ـ كما هي الإصدارات السابقة لي ـ ليست توثيقا تاريخيا وجغرافيا ومعرفيا للمدن التي حط الرحال فيها، فحسب، بل هو انطباع زائر وحكاياته والمواقف التي تمر به، في السفر بدءا من لحظة حجز التذاكر وصعود الطائرة، والوصول إلى المطار ثم المواقف التي يمر بها الكاتب في كل مدينة، بسرد أدبي يجمع بين صفتي الصحفية، وشخصية الكاتب الذي يحاول رسم لوحة فنية عن المكان بمواقفه وحكاياته وشخوصه.
وحول قصة الكتاب قال الزيدي : ينطلق إصدار “عشر سنوات فاتنات” من رحلة قمت بها إلى دمشق، العام 2007م، وبقيت هذه الرحلة عالقة بتفاصيلها وحكايتها، لتعدي صورة المدينة بعد الأحداث التي مرت بها، وتبدل حالها.. في دمشق عبرنا “طرقات دمشق القديمة والحديثة، و المزة الغربية وشارع الشيخ سعد، واقتربنا من الحياة الدمشقية الليلية، ومن زحمة المقاهي والشوارع، واكتظاظ المحلات والشوارع بالناس والمرتادين من كافة الأجناس والأطياف”.
“كان كل شيء في المدينة ينبض بالحركة، ويعج بالحياة، وكانت دمشق كما هي القاهرة وبيروت ومراكش وبغداد في سالف عصرها، مدينة لا تنام، ولا يمل زائرها، في كل جهة ثمة حياة، وثمة فرح، تكتبه الشخوص على سيرورة المكان”.
أما القاهرة التي أكتب عنها في هذا الإصدار للمرة الثانية بعد كتابتي عنها في إصداري السابق “خطاوي الطير”.. هنا ” أمضي في الشارع وحيدًا، أقطع المسافة الواصلة بين بارميزا والأوبرا.. انعطف من شارع بارميزا نحو شارع مجلس الدولة، دون أن آبه للهيب الشمس القائضة، والحرارة الملتهبة، أتوقف قريبا من شارع التحرير، أتأمل المنظر من حولي، كم من صورة تناسلت عن هذا المكان!.. وكم من العشاق توقفوا برهة هنا أو هناك، ليكتبوا فصول حكايتهم، ويكون النيل شاهدا عليهم، وكاتما لأسرارهم؟!”.
ومن القاهرة إلى البحرين.. حيث “في رحلتي هذه، قطعت مسافة زمنية تبعد عن زمني هذا بالآف السنين، كنت أنا المهووس بأصالة الماضي وعراقته أعيش الحضارات والإمبراطوريات والدول المتعاقبة على هذه الأرض كتعاقب الفصول، وكنت من نافذة الطائرة لحظة معانقة عجلاتها مدرج المطار أطل على تاريخ بأكمله، وعلى حضارات ظلت باقية آثارها حتى يومنا هذا، ولم أكن أخال أن الأرض التي صنعت ذات يوم مجدًا وتاريخًا عريقًا، تصنع في ذات الآن حاضرًا زاهيًا ومستقبلا مشرقًا”.
و”بين الدار البيضاء والرباط وفأس وطنجة ومراكش ومدن وقرى أخرى تسكن بينها، عشت ثلاثة أسابيع متنقلا كمن يغرف من رحيق زهرة ليحلق إلى زهرة أخرى، كانت المدن المغربية تتبارى في إبداء مفاتنها، وكشف محاسنها، وكنت أنا أهيم في دروبها، أفتش عن الذين عبروا من قبلي هذه المدن، وهاموا بها، وغرسوا جذورهم في هذه الأرض، وأثمروا هناك”.
وفي جزر القمر “لم نكن بحارة تائهين، ولا عبرت مراكبنا عباب المحيط لنصل إلى وجهتنا، ولا رسمنا صورة متخيلة للأرض التي سنطؤها في رحلتنا هذه، فقد كانت الصورة واضحة أمامنا والمقصد محددًا، وجزر القمر بدت أقرب إلينا من قربها من الرحالة الأوائل الذين سكنت سفنهم شواطئها أول مرة، قريبة وإن طال المسير إليها، وابتلعتنا الطائرات من مطار إلى آخر، قريبة وإن تناسينا يوما أنها جزء من وطننا العربي”.
وأضاف الكاتب: وتحت سماء قبرص “كنت أنظر جهة الصخرتين، وأبحث عن أفروديت المستلقية هناك، تشاكس الآلهة هيفيستوس إله الحدادة والنار، وآريس إله الحرب، وأنكايسيس الأمير الطروادي، أو أدونيس الصياد الجميل، ليكون للحياة نبضها وإيقاعها، ويتصاعد العشق يحلق بالقلوب، ويطير فرحا في سماوات بعيدة، أسمع خفقان قلبي الصغير، والعطش يبلغ مداه، وهذا البحر الممتد هناك، تتلاطم أمواجه، وهي تتسابق لتلامس جسد فينوس النائمة على رماله الصفراء، وروحي المتيمة تسابق أشواقي وحنيني”.
أما تحت سماء باكستان، وفي بيشاور فقد “كانت الطريق التي نسلكها تعبر المدينة نحو تخوم الجبال والهضاب الجبلية الممتدة بامتداد البصر، كانت قوافل الشاحنات المتجهة إلى أفغانستان محملة بالأغذية والمؤونة والمساعدات الإنسانية، تقابلها في الاتجاه الآخر الشاحنات المحملة بالبشر اللاجئين والهاربين من الحرب وآثارها، والباحثين عن الحياة الآمنة، وعن لقمة العيش، ومعهم أو بينهم المحاصيل الزراعية من الفواكه والخضراوات التي تشتهر بها أفغانستان. وكانت المدينة كما دخلناها بالأمس، وكما عايشناها في الساعات التي قضيناها، هادئة تمارس حياتها المعتادة، لا مواجهات، ولا مصادمات، الكل يمضي وفق نهجه، ووفق إيمانه بالحياة”.
وفي سماء انجلترا و”من نافذة الطائرة، لاحت لي المدن الإنكليزية المشرقة من قلب الريف، حيث المراعي العشبية باتساع الصورة، وثمة خطوط خضراء بارزة بين كل مساحة وأخرى، كنت أتأملها جيدا لأتبين ماهيتها، وحين اقتربت الطائرة أكثر من معانقة مدرجات مطار جاتويك ـ وهو المطار الثاني في لندن بعد هيثرو ـ تبين لي أنها أشجار سامقة من أنواع مختلفة، تأخذ وضعا متوازيا، وكأنها تؤطر المراعي، وتفصل بينها، وتبين حدودها”.
وبين سماء مسقط وسماء فرانكفورت كنت “ست ساعات ونصف معلق بين السماء والأرض، كما هذه النجوم التي تتقاذف من حولي، مثلها أنا، نجمة هائمة في دروب حائرة، لكن من يبصرني، وأنا تائه، أفتش عن فكرة، أقتفي أثرها، وأتتبع خطاها؟!”.
وتحت سماء الصين ” رأيت الكثير من الصينيين يتناولون طعامهم وهم يعبرون الطريق، أو يتجولون في الأسواق، فلا وقت للكثير منهم للجلوس في مطعم وإنفاق الدقائق والساعات من أجل وجبة سريعة يمكن أن يأكلها المرء وهو في طريقه إلى وجهته.
ورأيت الكثيرين أيضا منشغلين في هواتفهم النقالة، وكأن ثمة حبلا متينا يشدهم نحو شاشات الهاتف، فلا يلتفتون إلى الطريق، وإلى المركبات السائرة، أو إشارات المرور وهي تتبدل بين الأخضر والأحمر، فقد كانوا يسيرون في حشود ممتدة، يتبع بعضهم بعضا، ثم في نقطة أخرى يتوزعون على كل الجهات، وهكذا كانت الجهات تلتهمهم، ثم تقذفهم من جديد”.