محمد بن عيسى البلوشي*
ناصر، وخميس، ومحمد، ومريم، وسارة، وربى، وغيرهم.. لديهم قصص طويلة مع مكاتب جلب الأيدي العاملة هنا في عُمان، مع الإشارة إلى أن هناك مكاتب ملتزمة؛ إلا أنه لا يخلو منزل إلا ولديه قصة أو حادثة أو موقف في هذا الملف المهم.. ومن يبحث في الشكاوى التي تم تسجيلها في الهيئة العامة لحماية المستهلك منذ عام 2015 وحتى نهاية عام 2018م؛ سيكتشف حجم المشكلة والمعناة، إلى جانب المواضيع التي لم تصل أصلا إلى تلك الجهة أو جهات قضائية عُلْيا.
ما أود التركيز عليه هو أن نظام فتح نشاط جلب الأيدي العاملة في السلطنة، ليس به تعقيدات تجارية، فبإمكان أي شخص يملك ضمانة 6600 ريال -يدفعها إلى وزارة القوى العاملة- أن يمارس النشاط، رغم أن قيمة المعاملة الواحدة لجلب يد عاملة قد تصل إلى 1800 ريال أو أكثر، اعتمادا على جنسيتها، وخبرتها، وغيرها من التفاصيل التي يطلبها المستفيد من الخدمة، وهنا الجانب المهم الذي يجب على مؤسسات الدولة، ومنها: وزارة التجارة والصناعة، وأيضا وزارة القوى العاملة، أن تنتبه إليه: هل يُقاس المُلاءمة المالية للمشروع التجاري بقيمة الضمان الذي يُودع لديها؟، ولماذا لا تكون هناك ضمانة بنكية مودعة من صاحب المكتب قدرها مائة ألف، أو تأمين بنكي على كل معاملة تجارية ينجزها صاحب المكتب، تضمن إرجاع المبالغ بكل سهولة إلى صاحب الحق دون اضطراره إلى الانتظار الطويل؟.
في الكثير من المعاملات التجارية الطبيعية التي لا تحدث فيها الخلافات بين الأطراف، تمضي القوانين والتشريعات بشكل جيد، ولا يتطلب تغييرها أو تطويرها بين فترة وأخرى؛ ولكن إذا ما وجدنا الكثير من الخلافات والمشاكل تظهر على السطح في موضوع ما، علينا هنا أن نُعيد النظر في تلك القوانين والتشريعات والنظم، ونهتم بتطويرها وتغييرها بما يضمن اختفاء تلك الظاهرة، أو التقليل من تداعياتها. وهنا نسأل هذا السؤال الذي نبدأ معه فكرة مراجعة الإجراءات والمتطلبات التي من خلالها تمنح الجهات المعنية تصريح مزاولة نشاط جلب الأيدي العاملة: كيف لصاحب مكتب لا يملك وفرة مالية جيدة -على أقل تقدير 100 ألف ريال- أن يحوز على معاملات تجارية تقدّر بعشرات الآلاف إن لم يكن أكثر، وقد اُكْتُفِيَ بستة آلاف وستمائة ريال عماني فقط يقدمها ضمانا لدى جهة حكومية، وفي حال عدم الاتفاق بين الطرفين لا يستطيع صاحب المكتب أن يدفع المبالغ المستحقة التي عليه إلى أصحابها بشكل فوري، وتذهب تلك المشكلات إلى هيئة حماية المستهلك، ومنها قد تتصعد إلى القضاء؟!
إن وجود الوفورات المالية لدى تلك المؤسسات، التي قد تكون صغيرة أو متوسطة، يضمن لجميع الأطراف: (طالب الخدمة، ومقدم الخدمة)، مصالحهم التجارية الآنية، ولا يضطر المستفيد من الخدمة -وبشكل دائم- إلى الانتظار الطويل جدا لإرجاع مبالغه المالية في حال عدم الاتفاق أو ظهور مشكلة أو خلاف تجاري. كما أنني أدعو الجهات المنظمة لهذا النوع من النشاط، ومعهم غرفة تجارة وصناعة عُمان، إلى إصدار وثيقة موحدة لجميع المكاتب التي تعمل في نشاط جلب الأيدي العاملة، تضمن من خلالها حقوق الطرفين، بعد الجلوس مع الهيئة العامة لحماية المستهلك، التي لديها -بكل تأكيد- الكثير لتقوله في هذا الشأن.
إن علينا أن ننظر إلى قطاع جلب الأيدي العاملة كصناعة اقتصادية، ولا بدّ أن تكون هذه الصناعة وفق ضوابط تضمن جلب الكفاءات في مختلف القطاعات، وتضمن أيضا الحقوق لجميع الأطراف، وخصوصا الطرف الذي يشتكي دوما؛ لأنه دليل واضح على أنه الطرف الأضعف في هذه المعادلة.
*كاتب وصحفي اقتصادي