شؤون عمانية- فايزة محمد
أصدر الكاتب العماني محمد العجمي كتابه الجديد “داخل العقل النقدي.. مساهمة في تأصيل النقد اليومي” عن دار سؤال البيروتية، وهو كتابه الثاني بعد “أوراق الوعي” الصادر في ٢٠١٥ عن نفس الدار.
ويضم الكتاب الذي ينتمي إلى حقل الفكر والفلسفة؛ على طائفة من المواضيع المتصلة بفلسفة النقد والنقد اليومي والنقد الاجتماعي؛ في محاولة من الكاتب للإضافة إلى المكتبة العربية كتابا يعنى بالنقد اليومي الذي يتّسم؛ بحسب الكاتب مستندا إلى الفليسوف التونسي د. فتحي التريكي؛ بالقرب المكاني وبالاستمرارية، أي ما نلاحظه حولنا بشكل متكرر للدرجة التي يلفت انتباهنا، وكذلك بالحركة والتناقض والتغير، على اعتبار أن اليومي ليس ساكنا ولا مطلقا؛ بل هو نسبي ويتعدد تبعا للظروف والحاجات والفرص. هذا النقد اليومي يتميّز أيضا بعدم الاغفال عن حاجة الانسان للإيمان واليقين، فالنقد اليومي لا يترفع عن هذا الايمان، والعقلنة في اليومي لا تعني تجاوز عادات وسلوكيات الانسان الروحية، ولا تطلب من الناس التخلي عن إيمانهم، بل تنظر دائما؛ كيف ينتظم كل ذلك ليصنع المعنى الكبير الواسع للحياة الطيبة.
يتكون الكتاب من أربعة فصول توزعت على صفحات الكتاب ال (310) صفحة. يتحدث الفصل الأول عن فلسفة النقد، ويركز الفصل الثاني على سيكولوجية النقد والتفكير، في حين يتناول الفصل الثالث موضوع اللغة وأسلوب النقد، لينتهي الفصل الرابع بمجموعة من التطبيقات النقدية؛ يمارس فيها الكاتب نقدا وتفكيكا لجملة من المفاهيم المتداولة في اليومي؛ كالعقلنة والولاء والخصوصية.
وفي تصريح خاص لـ” شؤون عمانية” أوضح الكاتب أن: “الهمّ الأوّل للكتاب هو التفكير في سؤال النقد في ظل مجتمع ينظر إلى النقد كمهدّد وجودي يجب التضييق عليه والتقليل من حدّته، فمن الممكن أن يكون الانزعاج من النقد مبرّرا، إذ أن أي جماعة قيد التشكّل ستكون حسّاسة جدا للمثبّطات التي يبثّها بعض أفرادها داخلها، لذا يتجنّب الكتاب ويحذر طريقة التقريع التي تحتاج؛ من وجهة نظر الكاتب؛ إلى يقين شديد ليس من الذوق أن يدّعيه أحد ما”.
يقول الكاتب في مقدمة الكتاب: “المجتمع كيان قادر على تنظيم نفسه بنفسه، وانطلاقا من هذه الركيزة؛ أناقش قضايا النقد الاجتماعي والنقد اليومي وفلسفة النقد. لم أضع لنفسي إطار عمل حاد في اختيار قضايا النقاش وطريقة معالجتها، حيث أنطلق بشكل أساسي من ضرورة الانكشاف على القارئ والصدق معه، وإشراكه في بناء المفاهيم التي يتم تناولها. إذ أن تجربة القارئ مع المعالجات الواردة في الكتاب، وتحوّلها إلى محفّزات لتحريك الهمم لتناول مشاكل المجتمع وشؤونه بشكل يحفظ للمجتمع حقه في أن يستمر كمجتمع؛ هذه التجربة هي أقصى ما يسعى الكتاب لتحقيقها.”.
ينتمي الكتاب بحسب المؤلف إلى ما بات يعرف بفلسفة اليومي، وهو ذلك الحقل الذي أصبح يحظى باهتمام واسع ضمن الفلسفة المعاصرة. وعلى الرغم أن الكتاب لا يتناول نفس الموضوعات التي دأبت فلسفة اليومي على طرقها؛ كالرموز والعادات والميمات الثقافية والشوارد التي نادرا ما يلتفت إليها أحد، غير أن فلسفة اليومي تمثل الإطار الخلفي للمَشاهد داخل الكتاب. كما لو أن الكاتب يحاول التحليق في النظرية، وفي نفس الوقت هو مشدود إلى اليومي؛ ليس كغوص في تفاصيل هذا اليومي، بل كمحاولة لفهم كيف يمكن أن يكون النقد جزءا فاعلا فيه؛ في الصحافة والتلفزيون والشبكات الاجتماعية والفنون والنشر والخطابات الحاضرة والممارسات الادارية. هذا يتطلب أن يكون النقد أكثر تحرّرا من القوالب والمناهج وقواعد الثقافة، وفي نفس الوقت يكون أكثر تواضعا. لئلا يتمركّز حول معطى سابق ليس من صلب النقد نفسه؛ كاللغة مثلا، أو الهوية، أو أي مشروع يحمل شهية المعيارية؛ أن يكون معيارا لتصنيف الناس إلى منتمي ولامنتمي.
وأوضح الكاتب بأنه قد يبدو النقد لنا كرفض، ولهذا نتحاشاه. النقد يزيد الخصومات، ولا أحد يريد أعداء. ولكن الكتاب يحاول إعادة التفكير في هذه الأحكام السائدة، ويسعى لجعل المفهوم خبزا يوميا، وأضاف أن الكتاب أيضا عن الاختلاف. الاختلاف مفهوم بريء جدا، ولكن حمولات العواطف الضيقة تلغّمه وتشحنه بالخوف والتوتر والترصّد. كيف نجعل اختلافاتنا أمرا عاديا جدا؛ هذه قضية مهمة جدا في الكتاب. كما أكّد أن الكثيرين يعتبرون أن النقد هو مجرد نفي أو تعليق، وما أسهل النفي والتعليق! لا يتطلب ابداعا. ولكن هل هو فعلا كذلك؟ إلقاء نظرة واسعة وشاملة على النشاط النقدي لدى الانسان يكشف أن النقد مفهوم أكثر تعقيدا من ذلك. والكتاب يحاول أن يجعل القارئ في قلب هذا التعقيد، ليس ليستمر الانسان في التعقيد؛ فهذا متعذّر، ولكن ليستطيع إدراك ما يجري حوله بشكل أفضل.
وأفاد الكاتب لدى سؤالنا له عن توفّر الكتاب، بأنه سيكون موجودا في مكتبة روازن خلال أيام قليلة، كما سيكون موجودا بمعرض مسقط الدولي للكتاب لدورة 2019. وسيكون متوفرا بطبيعة الحال على شبكة الانترنت قريبا. كما أكّد عند سؤالنا عن توقّعاته لنجاح الكتاب؛ بأن المسألة متروكة في ذمّة القارئ، وفي السياق اللحظي العام بالمجتمع، وما يشغل الناس في كل لحظة ومرحلة زمنية. وعموما هذا لا يجدر بالكاتب أن يشغله كثيرا إذ أن أداء الرسالة تكمن في نشر المادة وبثّها، ثم يحدّد القارئ ما يستحق العناء وما لا يستحق.
وعند سؤالنا عن مشاريعه القادمة أفاد بأنه يتحفّظ على هذا السؤال لاعتبار أن ذلك متروك للزمن، وهو يفضل أن يأخذ كل كتاب مداه وفرصته كأداة تحديث وتنوير (أو حتى متعة وتسلية) وفي نفس الوقت يتفاعل الكاتب مع ردود الأفعال بشكل إيجابي وأيضا حتى لا يكرر نفسه في أي عمل قادم محتمل.