الكاتب: بدر بن سالم العبري
في أول صباح يوم الجمعة 17 أغسطس 2018م انطلقنا إلى فندق Double Tree Hilton في منطقة Skokie Blvd لحضور أول أيام المؤتمر، وذكرتُ في الحلقة الماضية سبب عدم حضورنا للافتتاح.
وصلنا السّاعة الثّامنة، وحضرتُ الفطور معهم، وهنا التقيتُ بصديقي القديم الأستاذ الجليل بيان النّوريّ، وهو من الطّائفة البهائيّة، وكان في عمان يعمل في محل النّظارات، ثمّ الآن هو في أمريكا في ولاية تكساس يعمل في محل نظارات أيضا، وكان بيننا في عمان حوار ونقاش كبير حول البهائيّة في العديد من جوانبها، نتفق أحيانا ونختلف كثيرا، ويبقى الودّ الإنسانيّ يجمع بيننا، والرّجل خلوق ومتواضع جدّا.
ذهبت إلى تسجيل الحضور ثمّ ذهبت إلى القاعة والتّعارف، وهنا تعرفت على العديد حضر من أماكن مختلفة من الخليج والعراق واليمن ومصر وإيران وكندا وبريطانيا وأمريكا وغيرها، منهم من حفظت اسمه ومنهم من نسيت، ومنهم المشارك ومنهم المستمع!!
افتتحت السّيدة فاتن أردكاني المؤتمر ورحبت بالجميع، ثمّ كانت كلمة المؤتمر للدّكتورة سنا روحانيّ، وتحدّثت أنّه لا تناقض بين العلم والدّين، وأنّ التّنوع بين البشر طريق الوحدة، فالوحدة تقوم على القيم والمبادئ الإنسانيّة، ولكننا نختلف في التّعبير عن ثقافاتنا، والوصول إلى هذه الوحدة يحتاج إلى تضحيات ومثابرة، فلابدّ من وضع رؤية عالميّة لتحقيقها تحت ظلّ الأخوة الإنسانيّة.
وتعقيبا مني على هذه الكلمة؛ فإن كنت اتفق على جملة الكلام إلا أنّ قضية التّناقض بين العلم والدّين صراع قديم، وبينهما توافق وتضادّ، فلا يمكن أن ندّعي لا يوجد تناقض بينهما؛ لأنّ الدّين كما هو مبادئ سماوية، دخل فيه الاستنتاج العقليّ المتطور، والرّواية البشريّة المتراكمة، فشكلت في جزئياتها جزءا من الدّين بمرور الزّمن، خاصّة في مجال الكون والعلم، فيظهر ما يضادّه ويناقضه بحثا، لهذا تكون الكلمة للعلم؛ لأنّ جوهر الأديان الدّعوة إلى السّير والبحث والنّظر، ولا تدعو إلى شيء ينقضها ويبطلها بقدر ما يثبت صحة ما دخل وتراكم على مرور الزّمن، كذلك الوحدة والتّنوع، فأنا أرى أنّ الأصل بين البشر التّنوع وليس الوحدة كما يقول سبحانه وتعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} [الرّوم/ 22] إلا أنّ الوحدة تتمثل في الإقرار بالتّنوع وأهميته، ثمّ في استثمار هذا التّنوع في خدمة الجنس البشريّ، فتتمثل الوحدة في وحدته كجنس له كرامته وحريته، وهذا لا يكون إلا من خلال الاستفادة من التّنوع الّذي جبل عليه، لهذا الدّول الّتي تتنوع فيها الأديان واللّغات والمذاهب والأجناس والعادات والثّقافات هذا عنصر قوي لها اقتصاديّا وسياحيّا إذا أحسنت استثماره، لا أن يكون عنصر صراع وخراب لأسباب مصالحيّة وسياسيّة في الأصل!!!
بعدها كانت كلمة السّيد سمندريّ هنداويّ استشاري تنمية إدارية وتطوير الأعمال، وهو باحث وخبير في العلوم والتّكلنوجيا والاقتصاد والتّعليم والمنظمات غير الحكوميّة من جمهورية مصر العربيّة، وطرح بداية الأسئلة الفلسفيّة كقولهم: لماذا خلقنا؟ ومن خلقنا؟ وهل يوجد إله؟ ومن أين أنت؟ وهل نحن مخيرون أم مسيرون؟ ولماذا يعاني الأبرياء من الأمراض والكوارث؟ وللإجابة عن هذا وغيرها ظهرت مدارس فلسفيّة حاولت أن تجيب، وهكذا تظهر مدرسة لتنقض السّابق أو بعضه، حتى ظهرت مدارس تنكر الحقائق الدّينيّة، وتختزل التّجربة الرّوحانيّة في الخوف، فظهر في القرن العشرين التّحول من التّفكير الرّوحانيّ إلى التّفكير الماديّ، وبهذا نرجع إلى العصر الحجريّ.
ثمّ بين السّيد سمندريّ هنداويّ أنّ الوطن فكرة، وكثيرا من قرارات الإنسان تنبع عن عواطف لا أفكار، ومع هذا الإنسان يسعى إلى التّغيير، ولو حاول البعض رفض التّغيير إلا أنّه لن يتوقف؛ لأنّه طبيعة البشر، وهنا ذكر نماذج معاصرة أغلبها مصريّة، كطه حسين [ت 1973هـ]، ومحمّد عبده [ت 1905م]، والزّهاويّ [ت 1936م]، ومي زيادة [ت 1941م]، وسلامة موسى [ت 1958م]، ولطيفة الزّيات [ت 1996م]، وأمّ كلثوم [ت 1975م]، ونجيب محفوظ [ت 2006م]، وفرج فودة [1992م]، وعلي الورديّ [1995م].
ثمّ دخل السّيد سمندريّ في موضوع التّعصب وعوامله، فللإنسان الحق في الحصول على المعرفة، إلا أنّ قمعه ومنعه يؤدي إلى ولادة التّعصب في داخله، والتّعصب ينتج عنه صراع وتمرد، كما يولد عنه أيضا جمود وتطرف، فلكلّ شيء ردة فعل!!
وبطبيعة الحال أوافق السّيد سمندريّ هنداويّ في الكثير ممّا طرحه، إلا أنّ الجسد يشمل الرّوح والمادّة، فالتّركيز على المادة مع الإخلال بالرّوح يولّد خللا، والعكس صحيح، فكلاهما جزء تكوينيّ في الإنسان، وعليه ملأ فراغ الرّوح بأي شيء قد نراه مناقضا للأديان شيء طبيعيّ إذا أهملت الأديان رسالتها، أو أهملت الجانب التّكوينيّ في الجسد فيحدث ردّة فعل!!
ثمّ جاءت ورقة السّيدة نهى كرمستجي من مملكة البحرين، وهي مدربة معتمدة، وفنانة تشكيليّة، مهتمة بالتّعايش وخدمة وتطوير المجتمع، وعضوة في جمعيّة البحرين للتّدريب وتنمية المجتمع، وتنمية الموارد البشريّة والنّادي العلميّ للتّواصل الاجتماعيّ، وانطلقت في البداية من الحوار وأنّه قادر على علاج الخلاف، حيث يتعامل الحوار مع مجتمع له خيوط: الخيوط الطّوليّة المتمثلة في الأفكار والقيم، والخيوط العرضيّة المتمثلة في الأفراد واختلافاتهم.
وبينت أنّ الحوار في السّابق في جملته مقصور على كبار السّن والقوم، وأمّا الآن فالكل يشارك في الحوار؛ لأنّ مرحلة النّضج تقدّمت.
ثمّ طرحت كرمستجي جدليّة: هل أولا نجد حلّا للخلافات أم نحقق أولا الوحدة والاتحاد، أم العكس، وقالت الفكر المعاصر يرى الأول أي نجد حلّا للخلافات.
وفي الحقيقة أوافق السّيدة كرمستجي في العديد من جوانب الورقة بيد أنّه بعضهم يفرق بين الخلاف والاختلاف وبعضهم يراهما مترادفين، ومنهم يرى الأول تكوينيّا والثّاني مذموما، فالخلاف طبيعيّ بين البشر، والاختلاف قائم على التّعصب وعدم الاعتراف بالآخر، وهذا هو المذموم.
عموما كانت جلسة المناقشة بعد هاتين الورقتين، ثمّ كان وقت الغداء بعدها مواصلة الورقات وورشات العمل كما سنرى في الحلقة المقبلة بإذن الله تعالى.