شؤون عمانية- خاص
يتميّز التاريخ العُماني بغزارة المعلومات وكثرة الأحداث، نتيجة قِدَم حضارة وتاريخ هذا البلد، وما ترتب عليه من أحداث وإنجازات عبر الفترات الزمنية المختلفة، وعبر الدول التي حكمت عُمان عبر تاريخها الطويل. وعليه وُجِدَتْ الكثير من الأمور الشائكة، ومن القضايا التي لم تحسم حتى الآن في تاريخ عُمان، لأسباب مختلفة ولعوامل متعددة، الخلاف حول تحديد العام الذي تولّى فيه الإمام أحمد بن سعيد الحكم في عُمان، إيذانًا بقيام دولة البوسعيد.
وفي ذلك يقول الدكتور محمد الشعيلي، الأكاديمي والباحث في التاريخ العماني، أنه في الحقيقة توجد الكثير من الروايات والأقاويل الخاصة بموضوع تحديد هذا العام، سواءً من المؤرخين العمانيين، أو الغربيين، أو حتى من المهتمين والباحثين في التاريخ العماني المتأخرين والمعاصرين، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يذكر المؤرّخ العُماني ابن رزيق، الذي يعد من مؤرخي أسرة البوسعيد في كتابه: (الفتح المبين في سيرة السادة البوسعيديين)، أن أحمد بن سعيد تولّى الحكم عام 1741م، وكرر ذلك في كتابه الآخر: (الشعاع الشائع باللمعان في ذكر أئمة عمان). بينما يشير المؤرّخ سرحان بن سعيد الأزكوي في كتابه: (تاريخ عُمان المقتبس من كشف الغمة الجامع لأخبار الأمة)، إلى أن عام 1749م، هو العام الذي تولّى فيه الإمام أحمد الحكم، بعد أن استقرت له الأمور وتمت مبايعته في نزوى، بينما يذهب الشيخ والمؤرخ نور الدين السالمي إلى ما هو أبعد من ذلك، عندما يذكر في (تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان)، أن عام 1754م، هو عام تولي الحكم للإمام أحمد بن سعيد.
وكذلك أشار المؤرخون المعاصرون إلى هذا الموضوع، فمثلا يذكر الشيخ سيف بن حمود البطاشي في كتابه (الطالع السعيد، نُبَذ من تاريخ أحمد بن سعيد) أنه بويع بالإمامة عام 1749م، أي أنه يتفق مع الأزكوي في ذلك، وهو العام نفسه الذي أشار إليه الرحّالة الدنماركي كارستن نيبور، الذي زار عُمان في عهد الإمام أحمد بن سعيد، عام 1765م، وذكر أنه يحكم عُمان قبل ستة عشر عاما، أي في عام 1749م، وهو عكس ما أشار إليه البريطاني لوريمر، الذي ذكر عام 1744م، العام الذي بدأ فيه حكم البوسعيد، بقيادة الإمام أحمد بن سعيد، بخلاف العديد من المؤرخين والباحثين الذين ذكروا أعوامًا مختلفةً حول ذلك.
ويشير الدكتور محمد، إلى أنه بالرغم من هذا الخلاف؛ إلا أن معظم الدراسات والتحليلات المتعلقة بتحديد ذلك العام تشير إلى عام 1744م، وهو ما اتفق عليه العديد من الباحثين في الوقت الحاضر؛ نظرًا لأن هذا العام هو الأقرب للواقع وللأحداث التي وقعت في تلك الفترة، ففي ذلك العام نجح أحمد بن سعيد، الذي كان واليًا على صحار، في وضع حدٍّ للوجود الفارسي في عُمان، بعد أن وقّع اتفاقية معهم، ثم سعى إلى طردهم عبر سلسلة من الإجراءات العسكرية والاقتصادية، وهو ما نجح فيه بعد ذلك، وبالتالي شهدت عمان نوعًا من الهدوء وحالة من الاستقرار، وقد أدى ذلك كله إلى الالتفاف حول شخصية أحمد بن سعيد؛ نظرًا للشجاعة والكفاءة، والجهود التي بذلها من أجل تحرير عُمان وإعادة توحيد العمانيين من جديد، فرأوا فيه الشخصية القادرة على انتشال عمان مما كانت تعانيه، فوقع عليه الاختيار ليكون إماما على عُمان، معلنا بذلك نهاية دولة اليعاربة وبداية دولة البوسعيد.
أما حول أسباب الاختلاف في تحديد العام، فيرى الدكتور محمد الشعيلي، أن غياب التدوين الدقيق في التاريخ العماني، وعدم وجود مؤرخين قادرين على تحقيق ذلك في تلك الفترة في مقدمة الأسباب التي حالت دون تحقيق ذلك، علاوة على الأوضاع المضطربة التي شهدتها عمان في أواخر دولة اليعاربة، الأمر الذي ترتب عليه تشابك الأحداث وتداخل المصالح وغياب الاستقرار، ثم وجود أكثر من مركز للحكم، وأكثر من حاكم، واختلاف الانتماء ما بين هذا الحاكم إلى الآخر كان من الأسباب التي أدت إلى هذا الاختلاف. لتأتي التوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد – حفظه الله ورعاه – باعتماد عام 1744م، عاما لتأسيس دولة البوسعيد، ليضع حدًّا لهذا الموضوع.