بقلم: محمد بن عيسى البلوشي
من القصص المؤلمة والمربكة للعقل والفكر تلك الواقعة التي نقلتها لنا مؤخراً إحدى الصحف الإلكترونية،حيث قام شاب صغير لم يكن عمره يتجاوز أثناء ممارسته الابتزاز لضحاياه ال 17 عاماً، حيث استطاع أن يقوم بابتزاز ما يزيد عن ٧٠ إمرأة وفتاة ما بين طالبات مدارس وكليات وربات منازل ونساء أخريات بقصص – ربما نشاهدها في أفلام (الأكشن) – نستنكر حدوثها في مجتمعنا. وتكرار الحالات – للأسف الشديد- في مشاهد شتى ما هو إلا نتاج إهمال قاد ذهن هذا (الحدث) لفعل ما قد يمكن أن يفعله، بسبب عدم مراقبته وهو يستخدم تقنيات الاتصال الحديث، فكيف يمكن لشاب (نراه صغيرا ويافعا) أن يخطط لايقاع هذا العدد الكبير من ضحاياه، وأين دور الأسرة من مراقبة التغييرات في سلوكة، إلى الآن لم أستطع أن أصل إلى جواب مقنع؟
للأسف الشديد نقولها وبكل صراحة ووضوح، أن الكثير من أولياء الأمور يمارسون عادة قتل عقول أبناءهم من خلال تزويدهم بالأجهزة الإلكترونية الحديثة دون أن يطلعوا على ما تحتوى تلك الأجهزة من مواد معروضة و محتوى، وهل تتناسب مع أفكار وسنوات أعمارهم أم لا ، وبعض أولياء الأمور لا يعرف (هواء داره) وما هي الأمور التي تعرض على أطفاله ولسان حاله يقول: هل توجد هناك آليه كي أتابع إبني في ظل وجوده في غرفة مستقلة أو حرية التصرف فيما يفعل، خاصة ونحن نشاهد اليوم برامج وألعاب مختلفة تروجها شركات غربية تشجع مستخدميها على العنف والقتل والابتزاز وحب التملك وكيفية جني الأموال بطرق قد تكون غير شرعية أو السرقة،وغيرها من البرامج التي تغرس في النشيء السلوكيات الغير سليمة والمربكة لأولياء الأمور في رصدها وتصحيحها،كل هذا وولي الأمر (يُسكت) طفله بجهاز لوحي ويتركة للعالم.
إن غرس القيم لدى الأبناء منذ نعومة أظفارهم وتنشئتهم بشكل جيد، ومتابعتهم ومراقبتهم ليست مقصورة على فترة زمنية محددة؛ بل هي عملية مستمرة حتى يبغلوا أشدهم، كالشجرة التي تحتاج بعد زراعتها إلى متابعة وعناية خاصة حتى يشتد عودها وتصبح أكثر صلابة وقوة أمام التغيرات المناخية، ولكي نصل بها أيضا إلى مرحلة متقدمة تعطي معها الثمار اليانعة (الصحية)، وعلى أولياء الأمور أن يعوا هذا الأمر فيخصصوا لهم من الأوقات ما يتناسب مع تطور أعمارهم واحتياجاتهم.
الجهات المعنية في الحكومة قامت ولا تزال وبكل ما أوتيت من قوة بتوعيه المجتمع من مخاطر الابتزاز، وتنشر عبر قنوات متعددة رسائلها المحذرة، والتي تحث أولياء الأمور إلى ضرورة متابعة ومراقبة الأبناء بشكل مستمر، وأوجدت القوانين والتشريعات الرادعة لكل من تسول له نفسه في نثر بذور الإفساد والفساد على هذه الأرض الطيبة، ولكن كل تلك الجهود ستكون غير فاعلة إذا غاب الدور الحقيقي لأولياء الأمور في متابعة أبناءهم وتوجيههم، والذود عنهم من أية إختراقات قد تكون أخلاقية أو لفعل جريمة ما، فالدور الأهم هو للبيت والأسرة والمجتمع، وأرجو ثم أرجو أن يعود هذا المثلث المهم كحصن متين يساهم في أعداد جيل قوي وفعل.
لا أختلف مع الآراء التي تذهب إلى أن هناك أسباباً متعددة تسهم في ظهور حالات الابتزاز والتنمر لدى الأبناء، إلا إني أجد بأن دور ولي الأمر والأسرة يأتي في مقدمة الأدوار المهمة، فهمسة ود نقولها في أذن كل أولياء الأمور ألا يدعوا أبناءهم فريسة سهلة في أيدي أي عابث خلف الأجهزة الإلكترونية، وأن يحصنوهم بالوعي الصحيح والمتابعة الحصيفة، فأساليب النصب والإحتيال والتجسس والابتزاز الإلكتروني هي في تطور مستمر وتحتاج إلى متابعة ورصد دائمين منكم أيها الأوفياء الكرام.. حفظكم الله من كل مكروه وحفظ لكم أبنائكم وهدانا وأياكم إلى الخير الوفير .. والله من وراء هذا القصد
*كاتب وصحفي عماني