بقلم: بدر بن سالم العبري
بعد تناول الغداء في المطعم النّباتيّ كما أشرنا في الحلقة الماضيّة ذهبنا إلى النّزل Motal 6 القريب من المطار لننتقل إلى نزل يحمل نفس الاسم في منطقة Milwaukee Ave لكونه أقرب من موقع المؤتمر الّذي سنتحدث عنه لاحقا.
ثمّ ذهبنا إلى معبد معبد إيسكان للفيدس (الهندوس) في منطقة W Lunt Ave، وكان الجوّ مطيرا، حيث وصلنا العصر، وهنا كان عندهم طقس الذّكر، حيث يقومون بالّذكر مع الموسيقى والطّبل والرّقص، ويجلس الرّجال في جهة والنّساء في جهة، إلا أنّ النّساء لا يرقصن.
ولمّا تدخل المعبد تخلع الحذاء، ورأيت البعض يسجد، وسجودهم أن ينام على الأرض على بطنة ووجه، وجعلوا لمؤسس المعبد تمثالا، وهو من الهند، واسمه برابوباد، وعن طريقه انتشر هذا المذهب من الفيدس في أمريكا، وفي المعبد تمثال كريشنا وزوجته وفيشنو، ويفتحون السّتارة عندهم وقت الصّلاة في أول الصّباح وأول اللّيل، وتوجد لوائح فيها عبارات الذّكر على جوانب المعبد.
وفي البداية استقبلنا الرّاهب أتشاريا، وأصله أمريكيّ مسيحيّ، إلا أنّه وجد الرّوح في الفيدس، وأصبح راهبا مع حبّه للمسيح، وهو متحمس كثيرا للفيدس، ويرفض أن نسميها بالهندوسيّة؛ لأنّ الهندوسيّة نسبة إلى هندو، وأطلقها عليها خصومهم الفرس، والفيدس نسبة إلى الفيدا، وهو من كتبهم المقدّسة.
وأتشاريا رجل في مقتبل العمر، ومتواضع جدّا لا تفارقه ابتسامته، ولمّا فرغوا من الصّلاة والذّكر أخذنا إلى غرفة في أعلى المعبد، وهنا سجلنا اللّقاء في قناتي اليوتيوبيّة عن الفيدس في برنامج حوارات الحلقة الثّامنة والعشرين، وذلك يوم الأربعاء 15 أغسطس في السّاعة الثّامنة مساء، وتمّ بثه يوم السّبت 18 أغسطس.
والهندوسيّة عموما من أقدّم الدّيانات، وفلسفتها معقدة لتعدد مذاهبها ورؤيتها، وهي ذات انتشار في الغرب؛ لكونها قليلة التّكاليف الدّينيّة، ولملئها الفراغ الرّوحي عن طريق الموسيقى والرّقص مع الذّكر، وهذا لا يتعارض مع ثقافة الغرب، ولاهتمامها بالأسرة والأخلاق والقيم الكبرى.
في البداية بيّن أنّ الفيدس أقدم ديانة وهي الخلاص الّتي تحتاجها البشريّة إلى الأبد، وهي لا تختصر في كتاب؛ لأنّها عبارة عن الحياة والحكمة والفلسفة، وهذا لا يمكن اختصاره في كتاب، إلا أنّه يوجد لديهم كتاب مقدّس وهو كتاب الجيتا.
ثمّ بيّن أنّه لا يوجد فرق بين الفيدس والبراهمان، فالبراهمان هو الإله، والنّاس أرواح بحاجة إلى الإله المقدّس أي البراهمان ويسمى أيضا الكريشنا، والنّاس يجسّدون الإله في هذه الحياة، فالإله روح، والبشر يجسّدون هذه الرّوح، فالعلاقة بين البشر والخالق هي علاقة حب، ففي البداية العلاقة بينهما علاقة الأبناء بالأب، ثمّ علاقة الصّداقة، بعدها يصلون إلى علاقة الحبّ، والعلاقة سوف تتكامل وتتجسّد في الدّار الآخرة.
وفي أواخر عام 1800م بدأ الفيدس تدخل إلى الغرب وأروبا خصوصا، ثمّ أمريكا، وتقبلّها النّاس، فتصورا أنّ في الفيدس الآلهة متعددة، ولكن في الحقيقة لا يوجد تعدد آلهة في الفيدس، وإنّما هو إله واحد، أي الكريشنا، والباقي عبارة عن ملائكة كباقي الأديان يسمون الدّيفس، وهم الواسطة بين الإله والبشر، فالخطأ تصور البعض أنّ الواسطة آلهة، فنسبوا إليهم تعدد الآلهة.
وأمّا البقرة فهي شيء مقدّس في كتابهم، بيد أنّها ليست واسطة ولا آلهة، والبقرة والإنسان متناغمان في الطّبيعة، فالحياة تبنى على البساطة، وهذا يكون إذا تعايش مع البقر، فالثّور يخدمه في مزرعته، والبقرة تعطيه الحليب، ومنه يصنع الألبان والجبن والزّبد، فلهذا لا تقتل حتى لا نفقد هذه المشتقات، واحترام جميع الحيوانات واجب، إلا أنّه في الفيدس لا تقتل البقرة.
وهم يركزون على الحبّ الإلهيّ، وهو موجود في التّوراة والإنجيل والقرآن، إلا أنّهم يتميزون أنّهم يحاولون تجسيد هذا الحبّ الإلهيّ من خلال تسع مراحل متشددة، ففي المرحلة الأولى مثلا عليه أن يذكر اسم الله مع التّسبيح حوال خمس وعشرين ألف مرة في اليوم فيقول: هاري كريشنا هاري راما، حتى يصل إلى المرحلة الثّانية فيقول فيها ثلاثمائة ألف مرة في اليوم، حتى يصل إلى المرحلة التّاسعة.
وتوجد مزارات مقدّسة لهم في الهند، وفيها يسبحون مع الألحان والتّراتيل، واليوجا حركات رياضيّة وهم يركزون على الرّوح كثيرا.
والصّيام عندهم حسب الاستطاعة، صام أسبوعين في الشّهر أو بعض الأيام، وحتى نصف يوم، ويتوقفون في اليوم لمدّة أربع وعشرين ساعة عن الطّعام.
وأمّا الفرق بين البوذيّة والفيدس يتمثل في نقطتين: الأولى أنّ البوذيّة فلسفة لا تؤمن بالإله، بينما الفيدس يؤمنون بالإله، والبوذيّة يعملون للتّخلص من العذاب الّذي بداخلهم أمّا الفيدس فيتقربون بذلك إلى الله.
والكارما نوع من العدل الإلهيّ أو ردّة الفعل، فإن فعلت خيرا تجد خيرا، وإن فعلت شرا تجد شرا.
والرّوح موجودة في الحيوانات والإنسان، وهذه الرّوح تعود وتتطور، من عالم الحشرات فالنّباتات فالأسماك، ثمّ روح الحيوانات حيث تتطور إلى روح الإنسان، وروح الإنسان إذا عمل صالحا روحه تتطور لتصل إلى الدّيفس وهي مرتبة بين الإله والإنسان، والعكس إذا عمل سيئا فروحه ترجع إلى عالم الحيوانات كالكلب مثلا، والرّوح شيء مقدّس وأبدي لم تولد، بينما الجسد يفنى.
وأمّا وحدة الوجود فهي محلّ خلاف عند الفيدس، بعضهم يرفض، والبعض يتقبلّها بشكلها الفلسفيّ المعقد، والبعض الآخر يتقبلّها في شكلها البسيط، فيرفضون أن يجعل الكلّ في ذات واحدة، فهذه يرفضها العقل، وخلافا للعدل، فكيف لو ارتكب أحد خطيئة فهل يتحدّ الكلّ في الاشتراك بضررها، ولكن ممكن نقبلها من باب وحدة الخالق؛ لأنّه قسّم عطاياه بين الجميع من بشر وحيوانات وغيرهم.
ويرى الرّاهب أتشاريا أنّ الأديان جميعا تريد الوصول إلى الخالق، ولكن الطّرق والوسائل تختلف، فمن الخطأ أن نقول هذا على حق وذاك على باطل، وهذا قريب وذاك بعيد، والصّواب الجميع يريد الوصول إلى الإله الخالق.
والشّيطان أسوأ ما يواجه الإنسان في الحياة، وهو متعلّق بالجسد، لهذا يحاول الإنسان تلبية متطلبات شهوات الجسد، فلمّا تخرج الرّوح يبقى الجسد بمتعلقاته، فهنا يتخلصون منه عن طريق حرقه، وفي الوقت نفسه عبرة لأن يرتبط الإنسان بالرّوح ولا يهتم أكثر بجسده.
والمرأة خلقت لخدمة زوجها وكريشنا، والزّوج عليه أن يخدم كريشنا، فإذا مات الزّوج تكون خادمة له حتى بعد وفاته، فحدث في فترة بالهند أنّ بعض النّساء طالبن أن يحرقن مع أزواجهنّ بعد وفاته، حتى تحولت إلى ثقافة تجبر المرأة أن تحرق مع زوجها المتوفى، إلا أنّه منع هذا القرار في الفترة الأخيرة، فانتهت هذه الثّقافة، وفي مذهبه هاري كريشنا يحرّمون ذلك.
والإله واحد وإن اختلفت المسميات، وهناك فرق بين البراهما والبراهمان، فالبراهمان هو كريشنا، أمّا البراهما وفيشنو وشيفا هم ملائكة، فالبراهما متعلّق بالوجود، وفيشنو يحفظ الوجود، وشيفا يدمّر هذا الوجود في آخر الزّمان.
والفيدس تنتشر في الهند وبنجلاديش ونيبال وسيرلانكا والآن في أوربا وأمريكا، وجاءت إلى أمريكا عام في القرن التّاسع عشر، وجاء من الهند برابوباد ونشر مذهبه هاري كريشنا في أمريكا، وهذا المذهب لم يتأثر بالحضارة الغربيّة، بل أثر فيها.
وعموما الّذي لاحظته أنّ الفلسفة الهندوسيّة معقدّة لتداخل الفلسفات فيها، وتعدد النّظرة العقديّة والمذهبيّة داخلها، وهذا ما سنلحظه عندما نتحدث عن زيارة المعبد الهندوسيّ في شيكاغو نفسها لاحقا في هذه الرّحلة.
وبعد الانتهاء من التّسجيل أصر الرّاهب أن نشاركهم العشاء، حيث يوجد بالمعبد مطعم يقدّم الوجبات للنّاس بدون مقابل، وهذا ما لحظته في المعبد الزرادشتيّ والسّيخيّ أيضا، إلا أنني أخذت شيئا بسيطا لكوني لم أعتد كثيرا على الطّبخ الهنديّ التقليديّ خاصّة النّباتيّ.
ثمّ ودعنا إلى خارج المعبد، وهنا ذهبنا إلى النّزل ووصلنا قرب الحادية عشرة ليلا لنستعدّ ليوم آخر من الزّيارات وافتتاح المؤتمر كما سنرى في الحلقة المقبلة.