الكاتب: صالح البلوشي
في الوقت الذي كانت فيه المبادرة العُمانية لحل الصراع الدامي في اليمن بدأت تُؤتي بعض ثمارها باجتماع طرفي الصراع في السويد؛ لإيجاد حلّ للمأساة الإنسانية التي يعيشها هذا البلد منذ هجوم “التحالف العربي”، في مارس 2015؛ جاءت تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد، التي أدلى بها مؤخرا لجريدة عُمان، عن موقف السلطنة من الحرب الدائرة في بلده منذ عام 2011، لتؤكد مجدداً مصداقية الرؤية العُمانية وحكمة سياستها في التعامل مع مختلف القضايا العربية والدولية. فقد أشاد الأسد بالحكمة العُمانية في التعاطي مع الأحداث، وقال: “إن سلطنة عُمان انتهجت سياسة ثابتة في كل مراحل التقلبات التي مرت بالمنطقة العربية والإقليمية والدولية، وهي نتاج لفهم أشمل لما يجري”.
وأشار الرئيس السوري خلال حديثه إلى أن السلطنة استطاعت أن تُبقي علاقتها بسوريا متواصلة منذ انطلاق الأحداث فيها قبل 7 سنوات، مؤكدًا أن ذلك مُقدَّر لديهم، ويعدّ موقفًا متقدمًا، وفهمًا أعمق لما حدث خلال هذه الفترة في بلاده، وسوف تتطور هذه العلاقة وتستمر خلال المرحلة المقبلة.
ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: كيف استطاعت السلطنة أن تأخذ موقفاً متقدماً – حسب تعبير الرئيس السوري – من الأزمة السورية في الوقت الذي وقفت فيه بعض الدول العربية ضد هذا البلد الشقيق ؟ المتابع للأحداث الدموية في هذا البلد يُدرك منذ البداية أنه كانت هناك مطالب شعبية قامت الحكومة السورية بالاستجابة لها، ومنها: زيادة الرواتب، وإلغاء الطوارئ ونظام الحزب الواحد، وتفعيل المشاركة الشعبية، وكتابة دستور جديد للبلاد، وغيرها. ولكن الأحداث بدلا من أن تتجه إلى الهدوء اتجهت إلى العنف الدموي، ثم تسارعت أكثر لنسمع بعد ذلك عن “عسكرة الانتفاضة “، ثم دخول الجماعات المتطرفة وداعش في مسار الأحداث، حتى ظنّ الجميع أن سورية تتجه إلى التقسيم لا محالة، وأنها لم تعُد عملياً في الخارطة السياسية والجغرافية للعالم.
وفي ظل هذه التطورات الدموية التي كانت تعيشها سورية، جميعنا يتذكر كيف تسابقت أكثر الدول العربية إلى قطع علاقاتها مع هذا البلد، بل أن الجامعة العربية، التي كان من المفترض أن تُعلن دعمها لسورية بصفتها عضوًا مؤسسًا وفاعلاً فيها؛ جمّدت عضويتها في المنظمة، كما أغلقت دول مجلس التعاون السفارة السورية لديها، وأغلقت سفاراتِها في دمشق، ولكنّ السلطنة رفضت عمليًا جميع هذه الخطوات غير المدروسة، وأبقت علاقاتها مفتوحة مع هذا البلد العربي الشقيق، ودعت في أكثر من مناسبة إلى إنتهاج الطرق السلمية والدبلوماسية لتسوية الأزمة السورية.ولم تكتفِ بذلك، بل زارت وفود عُمانية عالية المستوى سورية أكثر من مرة، منها: زيارة معالي يوسف بن علوي بن عبدالله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية، لدمشق في أكتوبر 2015، التقى خلالها الرئيس بشار الأسد، ونظيره وزير الخارجية السوري وليد المعلم. كما زار وزير الخارجية السوري أكثر من مرة السلطنة، آخرها في 26 مارس 2018، حيث افتتح فيها المقر الجديد للسفارة السورية في مسقط،
وإضافة إلى الزيارات السياسية، فقد شاركت غرفة تجارة وصناعة عُمان معرض دمشق الدولي الثامن والأربعين في سبتمبر 2017.
وأخيرًا؛ أن المفاوضات اليمنية وتصريحات الرئيس السوري بشار الأسد، تؤكّد مجددًا أن السياسة الخارجية العُمانية لا تنطلق من مصالح وقتية ضيّقة، إنما تقوم على تعزيز العلاقات الحسنة والمتكافئة مع دول العالم، واعتماد سياسة حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، واحترام القوانين والمواثيق والأعراف الدولية، والدعوة إلى حل النزعات بالطرق السلمية.