إعداد: فاطمة بنت ناصر
لقد ورد في مقالة سابقة وتحديداً في مقال محفوظات خالدة ٢ فقرة قصيرة نذكركم بها هنا قبل الشروع في ذكر تفاصيل موضوع هذا المقال.
” وقد حدث منذ سنتين أن تمكن احد المبشرين من الدخول إلى ظفار بحيلة انه طبيب دون الاستحصال على إذن بالدخول من حكومة مسقط وعندما وصل خبر دخول هذا المبشر إلى ظفار لديوان عظمة السلطان تكدر كثيراً وأمر بإرسال إشارة مستعجلة لوالي ظفار بمنع الرجل عن الاختلاط بالناس أو بتحول البلاد وأن يعاد لمسقط مع أول سفينة شراعية تخرج من هنأك وعندها صدرت إرادة عظمة السلطان لوالي ظفار بمنع دخول اي أجنبي لمقاطعة ظفار”. نشر بجريدة الجامعة الإسلامية الفلسطينية عام ١٩٤٣.
لم تكن عمان ولا ما جاورها من بلدان منطقة الخليج العربي أرض نجاحات للفرق التبشيرية الأوروبية؛ فمن تحولوا إلى الديانة المسيحية بسبب هذه الفرق يعد رقماً ضئيلاً ولايذكر أمام نجاحات هذه الفرق في دول أخرى كبلدان أفريقيا مثلا.
وقد أستهدفت هذه البعثات التبشيرية الأراضي التي تقل فيها الخدمات الأساسية كالرعاية الصحية والتعليمية فتأتي إليها بهدف تقديم هذه الرعاية. ونظراً لحاجة هذه البلدان لتلك الخدمات فقد قبلوا بدخول هذه البعثات رغم العلم بأنهم قد يستميلون البعض للدخول إلى دينهم. كانت الثقة كبيرة برسوخ الدين الإسلامي في نفوس المواطنين، ولم تخب هذه الثقة أبداً، حيث أن بعض أولئك المبشرين قد شعروا فعلاً بخيبة أمل بعد تلك السنوات الطويلة في تقديم الرعاية الطبية والتعليمية دون إنجاز يذكر لهدفهم التبشيري. ولا بد أن نذكر وننصف أولئك البشر الذين أخلصوا لدينهم ودعوا إليه بمد يد الخير لمن أحتاجها ، تماماً كما نفعل نحن المسلمون في تقديم ديننا بالإحسان والحكمة والموعظة الحسنة. فالتبشير تقوم به معظم الديانات -عدا اليهودية ربما التي تنقل دياناتها بالعرق فاليهودي من كانت أمه يهودية فقط -. وعلينا أن نتذكر أن الدول العربية رغم سماحها بدخول الإرساليات وإنشاءها للمستوصفات والمدارس راقبت عملها عن كثب وكانت لا تسمح لها بتخطي الحدود المرسومة لها وإن خالفت ذلك لقت مالقاه الطبيب الذي سنتناول قصته اليوم.
بطاقة تعريفية :
الاسم : الدكتور وليام هارولد ستورم William Harold Strom
المهنة : طبيب وقس أمريكي يعمل في الإرسالية الأمريكية في الخليج العربي
فترة العمل في الخليج : ١٩٢٦ – ١٩٦٦
فترة العمل في عمان : ١٩٣٢ – ١٩٣٣
وقائع الحادثة
في عام ١٩٣٢ في فترة حكم السلطان سعيد بن تيمور كانت هناك إرسالية أمريكية في مسقط ومطرح تقدم خدماتها الصحية للمواطنين وللرعايا الأجانب. وقد كانت مسقط ومطرح المدن الوحيدة التي سمح لهذه الإرسالية بالعمل بها بشكل رسمي ومصرح. كما أن الأطباء يقومون بين حين و آخر بالتوجه إلى قرى خارج مسقط لتقديم الخدمات الصحية ولكن بعد أخذ إذن مسبق. ما حصل في عام ١٩٣٢ أن أحد الأطباء الأمريكيين يدعى وليام هارولد ستورم William Harold Strom طبيب أمريكي من مسقط راكباً إحدى قوارب الداو متجهاً إلى محافظة ظفار في رحلة بحرية استغرقت ١٠ أيام. وتذكر المصادر انه لبث في ظفار لمدة ٧ أسابيع يمارس تقديم خدماته الطبية والتبشيرية. وحين بلغ أمر وجوده في ظفار دون أخذ إذن مسقط إلى السلطان سعيد بن تيمور كتب رسالة شديدة اللهجة له ورسالة أخرى للقنصل السياسي للدولة البريطانية برينير Bremner في مسقط. كُتبت الرسالة بتاريخ ١١ شعبان ١٣٥١ الموافق ١٠-١٢-١٩٣٢ وجاء فيها الآتي :
” بسمه تعالى
من سعيد بن تيمور
إلى جناب المكرم المحترم الحكيم استورم الأمريكاني دام بخير
بعد التحية
بلغنا انك وصلت إلى أطرافنا الظفارية .. فقد تعجبنا جداً من وصول هذا الخبر إلينا وجراءتك في التجول في ممالكنا من غير إذن أو أمر منا في ذلك. فاعلم أن حال يصلك كتابنا هذا أن تغادر تلك الأطراف ولا تتوجه إلى أن جهة تخصنا غير مسقط ومطرح مالم تحصل على اباحة منا وقد عرفنا القائم في طرفنا أن يسلمك هذا الكتاب و إن لم تخرج من هناك فقد أمرنا باخراجك حالاً و السلام ”
أما رسالة السلطان إلى القنصل السياسي البريطاني في مسقط فجاء فيها الآتي :
” بسمه تعالى
من سعيد بن تيمور
إلى جناب صديقنا الأجل المحترم الميجر سي.اي. بويرمنر.أم.سي – قنصل الدولة البريطانية العظمى بمسقط
بعد السلام الجزيل والتحية الفائقة … نسبة إلى الخطاب الذي جرى بيننا وبين جانبك بخصوص الحكيم استورم الأمريكاني وجراءته بالتجول في ممالكنا ظفار و متعلقاتها بدون التحصل على الأذن و الإباحة منا في ذلك فها نحن الآن عرفناه بكتاب منا أخبرناه فيه بالخروج من تلك الأطراف حالاً وهذا نقل الكتاب الذي صدرناه إليه واصل إليكم بالطي لكي يبقى عندكم.. وفي الختام نجد ولكم فائق التحية والسلام.
وإني أخبر جنابك أيضاً إني لا أقبل ولا أبيح له بالمسير في أطراف ظفار قطعاَ لتعلموا.
صديقكم المخلص سعيد بن تيمور ”
بعد هذه الرسالة تذكر بعض المصادر أن هذا الطبيب لم يغادر ظفار كما وصل إليها بالبحر بل عاد إلى مسقط مستخدماً الجمال في رحلة استغرقت ٢٨ يوماً . وقد غادر مسقط في ١٩٣٣. وقام بعدها بعدة رحلات منها إلى حضرموت في ١٩٣٥ والبحرين وعبر البحر الأحمر منطلقاً من مدينة الرياض في عام ١٩٣٥- ١٩٣٦. وقد أعد دراسة مفصلة حول مرض الجذام ( أو ما يعرف بالبرص) في الخليج العربي.
المصادر :
١- نسخ رسائل السلطان سعيد بن تيمور نقلا عن ” ملف ٦\١ المصالح الأجنبية: الإسالية الأمريكية في مسقط” و المكتبة البريطانية: أوراق خاصة وسجلات من مكتب الهند IOR/R/15/6/145 و مكتبة قطر الرقمية
٢- Bidwell,Smith,and Smart (1994). New Arabian Studies Volume 2. University of Exeter Press