بقلم: خالد محمد عبده
مرّت سيدة ترتدي ثيابًا مصرية لم تعد شائعة في أيامنا هذه ونحن جلوس في المشهد الحسيني، كانت جميلة كما وصفها من أجالسه، ابتسمت وظللت أصغي لبقية حديثه، سألني هل أنت متزوج؟ قلت: لا ، قال: أحسن، ثم صمت لحظة وتابع: لا ، أنا أودّ الزواج! قلت وما الذي يمنعك؟ تزوّج! قال ليس لديّ إذن بذلك . فأنا الآن لا أصلح لإقامة علاقة مع أحد، كما أن ذلك ليس بإرادتي. تذكّرت قولا تنسبه الصوفية لبايزيد البسطامي: (وعلى المريد ألا يريد)! أنا الآن في سياحة لمدة عامٍ بأمر الشيخ، لا سكن ولا وطن ولا قرار، وإذا رأى شيخي أنني أتممت العام ونضجت فسوف أطلب الإذن منه للزواج!
ترك أبيضُ القلب الذي لم يتلوّث بالمعارف طريق التلقي للعلم، واختار بعد حصوله على الثانوية العامة أن يدخل البيت الصوفي، أو اختير له ذلك، كان كل ما أقوله يلخّصه بعبارة حكيمة موجزة، وأصرّ طوال يوم بأكمله أن ينزّه الطريق الصوفي عن كل ما يقول، رغم أن قوله يخط مباشرة في دفتر الروح .
طلب أحد المجاذيب ونحن جلوس على مقهى البرهانية أن يدخّن، جلب له كريم الأخلاق ما أراد وسأله إن كان في حاجة إلى المال، وبطبيعة الحال رفض المجذوب، ربما هو أحد الأولياء المستورين ولعل حاله أشبه بحال رجل مرّ علينا بمقهى في تونس طلب بالإيطالية شيئا محددا بأنفة شديدة ثم غادر مسرعا بعد أن أجيب على طلبه، دخّن المجذوب وشرب الشاي وتركنا في حديثنا عن ما يجوز وما يجب وما يُكره وكأننا مساكين لا يصلح منا القيام بعد هذا الحبو.
طُفنا ليلا بالقاهرة المحروسة بالأولياء، هذا مقام وليّ وهنا كانت تعيش السيدة فاطمة النبوية، في هذا المكان خادم وصديق الرفاعي، في هذه الساحة جلس ذو النون المصري، هنا أنشد ابن الفارض: تِهْ دَلالاً فأنتَ أهلٌ لذاكا
وتَحكّمْ، فالحُسْنُ قد أعطاكَا.
في الضريح النوراني للسيدة زينب، وفي الثلث الأخير من الليل أحس القلب برحمة الله، ربما ما يعتقده المؤمنون من ظهورات القديسين والقديسات صحيحًا، فظهور رحمة الله صدّقت عليه امرأة كان من الغريب وجودها في المسجد في مثل هذا الوقت، بعد زيارة مقام السيدة زينب الذي يغسل وجودك السابق دخولك فيه، ويعيدك إلى يوم إلهي جاء فيه (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ)، أسندت ظهري للحائط واضعا رأسي على ركبتي فيما أحنى ظهره صاحبي وسجد لله ودخل في حضرة ربه يصلي كما شاء، وجدت هذه السيدة الجميلة تلبس ثيابا بيضاء متزينة كعروس، سألتها عن ثيابها فضحكت، وأخبرتني أن هذا سلوكها المعتاد ففي كل زيارة تأتي إلى هنا، تغتسل أولا وتتوضأ قبل أن تدخل في هذا الرحاب الطاهر، تفعل كما فعل عبد الله حينما سلك مع نقشبندية الهند، اغتسل ونطق الشهادتين ليولد من جديد كمسلم ضمن هذا التجمع الحكيم، والزينة من المرأة بحسب فهمها لأنها تشهد عرسًا ولا بد أن تشارك في العُرس بفرح. لم أعد أذكر من حديث المرأة الكثير لكني أذكر جيدا أنني ظللت لمدة أسبوع كلما أغمضت عيني ونمت قليلا يظهر لي وجه هذه المرأة كبدر مكتمل أو نور إلهي يبدد كل عتمة تلفّ مكاني.
كانت هذه السيدة رسالة وصاحبي كان رسولا، فعسى أن أفهم الرسالة وأتعلم من الرسول!.
ملاحظة: الصورة من محرك الباحث جوجل