شؤون عمانية- يوسف علي البلوشي
تنتشر الكهوف في أنحاء سلطنة عمان مشكلة أسراراً يجري العلماء تجاربهم لكشف طلاسمها وفك رموزها خاصة أن عددها يبلغ نحو 2000 كهف، وهي بذلك تنضم الى دائرة الأسرار العمانية التي تحتوي أكثر من ألف أثر ما بين قلاع وحصون وبيوت أثرية يرجع بعضها الى تاريخ ما قبل الاسلام، وألوف الأشجار الضخمة الكثيفة والنباتات الطبيعية النادرة التي تعود الى ملايـين السنين كما تؤكد محتويات متحف التاريخ الطبيعي، الى جانـب العثور على 142 قطعة من النيازك مصدرها القمر وكوكب المريخ، والتي تشكل قيمة علمية مهمة على المستويات الاقليمية والدولية، بل صنفت قطعة واحدة منها تزن 233.4 غرام من بين أهم 18 قطعة مريخيه تم العثور عليها حتى الآن في العالم.
يقول خالد العنقودي من محبي زيارة الكهوف واكتشاف عوالمها واسرارها : ان للكهوف العمانية أهمية سياحية تكمن في كونها برنامجاً دائماً لمحبي المغامرات والاثارة الرياضية غير التقليدية، وهنا تتجلى القيمة الجمالية للكهوف بما فيها من عذرية لم تصل إليها أيادي العصرنة ولا تزال بكراً في عطاءاتها. وتقدر أعمار بعض الكهوف في السلطنة بأكثر من 25 ألف سنة ما يفتح آفاقاً أكثر رحابة للراغبين بدراسة الكهوف في واحدة من افضل المناطق الجيولوجية في العالم.
ويضيف قائلا :هناك كذلك أهمية اقتصادية اذ تسعى الجهات المعنية بالسلطنة الى استغلال المياه الموجودة في هذه الكهوف، خصوصاً أن المخزون المائي يحتفظ بدرجات عالية من البرودة ما يشكل فرصة للسياح للتجوال بالقوارب المطاطية للمرور من تحت تكوينات الكهوف الجيولوجية. أما الأهمية العلمية فتتجلى في مجسماتها الجيولوجية وكتلها الصخرية وفتحاتها الغريبة وعمقها وظلامها التي تحتاج كلها لتقنيات تمكن من رؤية معالمها وشواهدها ومنظومة من الأسرار تتكشف رويداً رويداً على أيدي الباحثين والعلماء لتكشف حلقة مفقودة في سلسلة تاريخ المنطقة وجغرافيتها.
ويروي غانم سعيد صالح من وزارة التراث والثقافة : ان تاريخ قصة الكهوف العمانية التي تبلغ أكثر من 2000 كهف يتوجب دراستها ومعرفة تفاصيلها وكيفية تجاوز هامات بعض هذه الكهوف لتكون أشهر واكير الكهوف في العالم مثل كهف «شوفيه» الذي يعتبر أقدم كهف في العالم الذي اكتشفه الفرنسي جان ماري شوفيه جنوب شرق فرنسا عام 1994 وعليه تشكيلات ورسومات تعود الى حوالي 30 ألف سنة، وكهف «بوستجونيا» الذي يقع في سلوفينيا وهو أكبر الكهوف في أوروبا ويمتد 51 ميلاً وجرى اكتشافه عام 1852، وكهف «أسود البحر» كأكبر كهف بحري تضمه أمريكا يبلغ ارتفاعه ما يعادل مبنى مكوناً من 12 طابقاً وطوله يساوي ملعب كرة قدم، وكهف «الريح» في ولاية كلورادو الأمريكية.
ويقول الرحال بدر مراد من ولاية صور : يعتبر كهف مجلس الجن أشهر وأهم الكهوف العمانية وهو ثالث كهف في العالم، اذ يتسع كمدرج لسبع طائرات مساحته 4 ملايين متر مكعب تحيط به مغارات عدة، ويقع في هضبة سلمى في جبل بني جابر بسلسلة الحجر الشرقي، وكهف «العراقي» في ولاية عبري، وكهف «الهوتة» بولاية الحمراء بتشكيلاته المثيرة للغرابة، خصوصاً بحيرته المائية التي يبلغ طولها 950 متراً وأسماكها النادرة ومنها أسماك بلا عيون، وكهف «جرنان» بولاية ازكي ويعد أكثرها غموضاً نظرا لصعوبة الوصول إليه في ضوء الأساطير التي تنسج حواليه!
أشكال بديعة
ويضيف : يعتبر كهف «الهوتة» مثالا نموذجياً لذلك التعريف الذي يقول أن الكهوف هي النـــظائر تحت الأرضية لما نراه على سطح الأرض من أودية ومجار مائية، إذ أن لهـــذا الكهف فتحتين يدخل من أحدهما ماء الوادي المنحدر من أعلى الجبل وتسمى هذه بـ «الــهوتة» أما الأخرى (الفلاح) فيخرج الماء عبرها بعد توغله داخل أروقة الكهف ودهاليزه المتصلة وهذا الكهف غني بتراكيبه وأشكال البديعة كالصواعد والهوابط، وفيه أمثلة نموذجية لما يسمى بصواعد جذع الشجرة والصواعد المركبة كالمصاطب والصواعد متناسقة القطر، كما أنه يذخر بعدد لا بأس به من الأحواض الجافة، ويوجد أيضاً في بحيرة الكهف أنواع من الأسماك العمياء نادرة الوجود.
واختتم قائلا : تسعى عدة جهات عامة وخاصة بالسلطنة الى خلق أنماط سياحية جديدة واستغلال الاماكن السياحية المتنوعة بهدف تعزيز برامج التدفق السياحي وتشجيع السياحة الداخلية وتأسيس مشاريع سياحية بيئية تسهم في تنمية وتطوير القطاع السياحي في السلطنة. حيث تقوم بأعداد دراسة لتنفيذ مشاريع مشابهة لتطوير وتأهيل بعض الكهوف الرئيسية في محافظات السلطنة المختلفة لتهيئتها للاستغلال السياحي المنظم مثل كهفي «طوي اعتبر» و«طيق» في محافظة ظفار.وهناك أيضاً خطة لتنمية سياحة المغامرات في الجبال كجبل شمس والجبل الأخضر بالاضافة الى الكهوف الاخرى والمشي في الجبال، وعدة مشاريع تعلق بسياحة المغامرات.
ومن وزارة السياحة قال خالد اللواتي : ان وزارة السياحة تبذل جهودا مضنية بصدد تنفيذ دراسات علمية جيولوجية تتعلق بدراسة خصائص الكهوف ومميزاتها تليها دراسة هندسية معمارية لتطوير تلك الكهوف والسبل المثلى لاستغلالها بحيث يكون لكل كهف خصوصية تميزه عن الآخر، وأن الوزارة تقوم باعداد وثائق مناقصة لتلك الدراسات لطرحها أمام الشركات العالمية المتخصصة في دراسات الكهوف وكيفية استغلالها خاصة في محافظة ظفار وتحديدا عن كهف «طيق» وحفرة «طوى اعتبر» بهدف تهيئتها للاستغلال السياحي المنظم.
ويقول داود سليمان من وزارة البيئة :ان للكهوف أهمية كبيرة نظراً الى كثرة مرتاديها واستقطابها شرائح واعداداً كبيرة من السياح الذين تتنوع هواياتهم بين المغامرة والترفيه والرياضة.
ان مشاريع تطويرها ستساهم في تنشيط السياحة البيئية لتلك المواقع المتميزة ببيئتها الطبيعية البكر والمتمثلة في الغطاء النباتي الكثيف ووجود الأحياء البرية والطيور واعتدال المناخ، وستعمل على تدفق السياح طوال العام الى تلك الاماكن الخلابة، وتعتبر الكهوف في السلطنة ضمن المناطق الجيولوجية المخبأة في باطن الأرض وهي كنوز طبيعية استغرق تكوينها آلاف السنين وتنفرد بخصائص وتكوينات نادرة وهي تراث وطني يتطلب ضرورة صونها ورعايتها كجزء مهم من التراث العماني الطبيعي والبيئي والسياحي.
ويقول سالم الحمر من ظفار العمانية : في محافظة ظفار تشكل الكهوف لغزاً آخر، خصوصاً كهف «طيق». وحول مدينة صلالة تتناثر مجموعة من الكهوف مثل كهف «المرنبف» الذي يطل على شاطئ المغسيل، وتتفجر فيه العيون المائية من تلقاء نفسها في صورة جمالية تستقطب الزائرين الذين يحلو لهم التقاط الصور عند تلك العيون التي في أطرافها سحر وبهجة وتشكيلات جمالية يستثمرها المتخصصون للترويج السياحي، وكهف «سحر» الذي يبعد 12 كيلومتراً عن صلالة، وكهف «عين حمران» الواقع على بعد 23 كيلومتراً من صلالة وتعشش فيه آلاف الخفافيش، وكهف «وادي دربات» الذي تصل اليه بعد 40 كيلومتراً من صلالة، وكهف «اعتير» أو «بئر الطيور» ويقع شرق صلالة في جبل سمحان.
ويؤكد قائلا : تتشكل تلك الكهوف أحد مقومات السياحة البيئية التي تتمتع بها، التي تعد مصدر جذب سياحي، ولها زوارها الذين يفدون إلى السلطنة لمشاهدتها من مختلف أنحاء العالم حيث تساعد بشكل كبير في جذب السياحة داخليا وخارجيا، مثل كهف المرنيف في المغسيل، يبدو أنها خارج أجندة التطوير والاستغلال سياحيا حتى الآن، رغم أن الكثير منها يصلح أن يكون استراحات ومطاعم من خلال إضافات بسيطة واستغلال الطبيعة الموجودة وإشراك القطاع الخاص في هذا الموضوع خاصة أن هناك إقبالا كبيرا على هذا النوع من المشاريع.
ويقول سالم الحمر : تعتبر تلك الكهوف أحد المكونات الطبيعية التي تجتذب كل من عشق اكتشاف المجهول وحب المغامرة نظرا للغموض الذي يكتنف عوالمها والجمال الأخاذ الذي وضعه فيها الخالق جلت قدرته، ليمعن الإنسان النظر في آية صنع الله ويتفكر في مغزى الحياة منذ كانت هذه الكهوف في عصور سحيقة من عمر البشر وحياتهم على الأرض، الملجأ والمأوى الذي يعيشون فيه ويحتمون به من خطر الأعداء والوحوش والضواري.
ان هذه المتاحف الجيولوجية المخبأة في باطن الأرض، تنفرد بخصائص وتكوينات نادرة استغرق تكوينها وتزيينها آلاف السنين وهي كنوز طبيعية وتراث وطني يتطلب ضرورة صونه ورعايته باعتباره جزءا مهما من تراث السلطنة الطبيعي والبيئي. وتوجد معظم الكهوف في السلطنة في جبال محافظتي شمال الشرقية وجنوبها ومحافظات الداخلية والظاهرة ومحافظة ظفار ومن أشهر كهوف محافظة ظفار كهف طيق وصحور وحفرة الإذابة بطوي أعتير وكهف عين حمران (كهف الخفافيش) وكهوف وادي دربات وكهف المرنيف بالمغسيل وكهف عين أرزات.
يعد كهف طيق في محافظة ظفار من أكبر الكهوف المكتشفة على مستوى العالم حيث تبلغ مساحته حوالي 300 مليون متر مكعب، وهو بهذا الحجم يعد أكبر بحوالي 75 مرة من كهف مجلس الجن في شمال السلطنة وأكبر بحوالي 57 مرة من كهف سيرواك في ماليزيا الذي يعتبر اكبر كهف في العالم قبل اكتشاف كهف طيق. وقد أتاح هذا الكشف التعرف بالكهف مما يساعد في زيادة الدراسات الجيولوجية، ويرجع الجهد الذي كان الفضل فيه للسكان المحليين الذين أرشدوا فريق المغامرين السلوفانيين في عام 1997 إلى موقع الكهف.
تكون هذا الكهف في صخور الحجر الجيري الفني بمستحثات المرجان والحيوانات الصدفية والرخويات ومتحجرات المستحثات المجهرية. مدخل الكهف يمتد على مساحة (40 مترا طول و45 مترا عرض) به نفق لا يعلو ارتفاعه عن (2/1 متر) يؤدي إلى غرفة جوفية مقاس (30 مترا طول و30 مترا عرض) يرتفع سقفها إلى (5 امتار).
ويقع هذا الكهف على ارتفاع (4) أمتار من مستوى الطريق. له مدخل منبسط وبه قناة عرضها متر واحد تمتد حوالي (30) مترا وتنتهي في غرفة جوفية مقاس (10 أمتار طولا في 10 أمتار عرضا) تسكن هذا الكهف مئات من الخفافيش وهذه الخفافيش أساسية للتوازن البيئي في المنطقة. لزيارة هذا الكهف ينصح باصطحاب مرافق من سكان المنطقة وعدم البقاء فيه لأكثر من (30) دقيقة لأن الهواء لا يصله بالكميات الكافية. كما أن نسبة الرطوبة به عالية وروائح الخفافيش قد تكون مضرة لصحة الزائرين.
أما كهف وادي دربات فيعتبر من الكهوف الفريدة من نوعها وهي تتميز بتنوع الترسبات المعلقة في أسقفها وهي تختلف عن غيرها من الكهوف حيث إن الوادي شطرها، ولم يبق منها سوى أنصافها أو تجاويفها وأقواسها. ويرجح أن وادي دربات كانت به سلسلة من الكهوف تكون أقدمها أعلى الوادي وتكون أحدثها أسفلة. زيارة كهوف وادي دربات توفر فرصة للاطلاع على فن النقش على الصخور الذي تركة لنا الإنسان البدائي الذي سكن هذه الكهوف.. كما يستمتع زوار الوادي بالمناظر الجميلة الخلابة لشلالات وادي دربات الذي تنساب مياهه الكثيفة من ارتفاع (100 متر) بعد هطول الأمطار الغزيرة وكذلك بمناظر بحيرات الوادي والحياة البرية فيه والى الآن ورغم أهمية هذه المنطقة سياحيا في مختلف فصول السنة وخاصة في فصل الخريف لم نر هناك أي استغلال لهذه الشلالات ولا للبحيرات ولا للكهوف وهذه المنطقة غنية جدا في إقامة المشاريع السياحية وفي الواقع نسمع أن هناك مشاريع تتعلق بهذه المنطقة وان هناك دراسات حول هذا الموضوع لكننا لا نسمع إلا قولا من سنين عديدة ولم نر شيئا على ارض الواقع ولا اعتقد أن هناك أية مشاريع خلال السنوات القادمة لكن يظل الأمل موجودا.
اما حفرة الإذابة فهذه الحفرة من أكبر الحفر الطبيعية في العالم (975000 متر مربع) قطرها يتراوح بين (130 و250 مترا) في حين يصل عمقها إلى (211 مترا) إي ما يقارب عمارة مكونة من 70 طابقا وهي كذلك اكبر من أهرامات الجيزة بمصر بحوالي 70 مترا وهي موقع رائع للاستمتاع بالطيور وأصواتها لهذا أطلق عليه سكان ظفار بئر الطيور. وإن كان الاعتقاد السائد عند بعض الناس بأن هذه الحفرة نجمت عن سقوط جرم من السماء إلا أن التكوين الجيولوجي يؤكد أن الحفرة نتجت عن الحركة الجيولوجية القاعية والتآكل الطبيعي وعامل التعرية الناجم عن المياه التي لا تزال حفرها متناثرة في المنطقة المحيطة.
ويعتبر كهف المغسيل او كما يسمى لدى البعض بكهف المرنيف من أجمل الكهوف في السلطنة والذي حظي باهتمام كبير من قبل وزارة السياحة من خلال الاستراحات والمطعم وتطويره وتجميله وتسهيل الطريق للسياح فمن هذا الكهف يستطيع السائح مشاهدة جمال سواحل ظفار وجبالها في نفس الوقت والتمتع بالنوافير الطبيعية التي تميز منطقة المغسيل.