الكاتب: علي بن عبدالعظيم اللواتي
عُقد المؤتمر الثاني عشر للتأمين الصحي في 23 – 25 سبتمبر 2018 للعام و الثاني على التوالي بمسقط، و كان عنوان المؤتمر ” تطوير الاستراتيجيات لجعل التأمين الصحي الإلزامي مستداما و ناجحا”.
كعادة المؤتمرات التي تقوم عليها الهيئة العامة لسوق المال، كانت البروتوكولات محفوظة وعلى أكمل وجه.
يأتي هذا المؤتمر على خلفية قرار السلطنة تطبيق التأمين الصحي الإلزامي من بداية العام 2019 على العاملين في القطاع الخاص.
سبق هذا المؤتمر مؤتمر العام الماضي و بذلت مختلف الأطراف ذات العلاقة جهود كبيرة لإنجاح المؤتمر و استثمار نتائجه لصالح سوق التأمين العماني.
و السؤال، لماذا خطت السلطنة هذه الخطوة، هل هذا جعل التأمين الصحي الإلزامي في صالح قطاع التأمين أم في صالح ميزانية وزارة الصحة أم في صالح الوافد أم في صالح المواطن العامل في القطاع الخاص؟.
لاشك أن التأمين الصحي سيفيد الجميع و من أهم الأمور التي سنستفيد منها كدولة هي خلق قطاع صحي خاص موازي للقطاع الصحي الحكومي؛ وهذا سيوسع من الرعاية الصحية المتوفرة للمواطن و الوافد، و التجارب الإقليمية شاهدة على ذلك.
الفريق المخطط لتطبيق للتأمين الإلزامي برئاسة الهيئة العامة لسوق المال يعمل برؤية واضحة مستفيداُ من تجارب دول أخرى و هذا ما بدا واضحاً في المؤتمر.
من أهم الأمور التي يعمل الفريق على أساسها هي وضع القوانين الأساسية والاستراتيجيات، ومع تطبيق و ممارسة التأمين الالزامي ستقوم الهيئة العامة لسوق المال و الأطراف ذات العلاقة تطوير الاستراتيجيات و القوانين من خلال التجارب التطبيقية، و هذا أسلوب عملي جداً لتطوير القطاع و ضبط الممارسات في هذا المجال.
كنت من الحاضرين الذين لم أكن مطمئناً للطريقة التي يتم انتهاجها للسير في موضوع التأمين الصحي، ولكن لما سمعت ما قبل من قبل المتحدثين و على رأسهم سعادة رئيس الهيئة العامة لسوق المال أدركت أن الكثير من الأمور تم الخوض فيها بطريقة مهنية و مُفصلة و انتجت استراتيجية ستنجح اذا ما استمرت الجهود المخلصة في العمل لبعض السنوات القادمة.
تحدث سعادة رئيس الهيئة بطريقته الهادئة و البسيطة و التي بدا واضحا فيها الاهتمام البالغ الذي توليه الهيئة لهذا المشروع. نذكر هنا خمس نقاط تشكل خارطة الطريق المستقبلي للتأمين الصحي:
1- وضوح رؤية القائمين على المشروع حول منهجية التطبيق التدريجي للتأمين الصحي على مختلف القطاعات التجارية ، و بالرغم من اختلافنا حول كيفية التقسيم الذي تم إقراره ولكننا نتفق على ضرورة التدرج في التطبيق. و من منافع هذا التدرج في القوانين هو تسهيل الالتزام بها و عدم جعل كلفة الالتزام ثقيلة على شركات التأمين في المراحل الأولى، ويمكن طرح القوانين التفصيلية في الوقت المناسب.
2- أهمية التعرف و الاستفادة من تجارب الدول المجاورة و بالشكل المناسب، وعملياً تمت دعوة الدكتور حيدر اليوسف للمشاركة في المؤتمر و الرجل ذو تجربة ثرية في تطبيق التأمين الصحي في إمارة دبي، و دعوته و خبراء آخرين دليل على التصميم على الاستفادة من التجارب الإقليمية.
3- التأكيد على إيجاد وثيقة التأمين موحدة، وهذا جانب مهم و جوهري و اهتمام الهيئة به في موقعه تماماً، و سوق التأمين العماني له تجربة جميلة في الوثيقة الموحدة لتأمين المركبات .
الوثيقة الموحدة لتأمين المركبات لما تم طرحها حَلت الكثير من المشاكل التي كان السوق العماني يعاني منها من اختلاف التغطيات والتفسيرات و بتوحيد الوثيقة تقلصت هذه الأمور إلى الحدود الدنيا .
و توحيد وثيقة التأمين الصحي في تغطياتها الأساسية جانب مهم جدا من مشروع التأمين الإلزامي. و لابد من توحيد التغطيات التأمينية الأساسية و جعل الوثيقة الموحدة الإلزامية و ليست استرشاديه و ترك المجال مفتوحا بالنسبة للميزات الإضافية.
بقي أن نؤكد على وجوب صياغة الوثيقة باللغة العربية أولاً و ترجمتها إلى الإنجليزي و ليس العكس، و أهل الاختصاص سيدركون تماما ما أعني و أهميته.
4- سعر أو تعرفه التغطية التأمينية الإلزامية من القرارات المهمة التي تم اتخاذها من قبل الهيئة العامة لسوق المال و تم إيضاحها في المؤتمر. و القرار بوضعه الحالي يقول بعدم وجود سعر موحدة على التأمين الصحي الالزامي الاساسي.
للتوضيح أقول، في مشروع التأمين الصحي جانبان :
الأول وهو التغطية الأساسية و التي بموجب القانون على جميع العاملين بالقطاع الخاص شرائها و الوثيقة الموحدة موضوعها يتعلق بهذا الجانب بالكامل، التعرفة أو الأسعار الموحدة التي ذكرناها تخص هذا الجانب و كان القرار عدم فرض أسعار موحدة على سوق التأمين باعتباره سوق تنافسي حر يخضع لقانون الربحية و يتحكم مجلس إدارة الشركة بالسعر مدركاً تماماً مسؤوليته حول الحفاظ على أموال المساهمين من التلف و عدم الدخول في لعبة تخفيض الأسعار مقابل الاستحواذ على حصة سوقية أكبر.
على الرغم من ثقتنا بأن الهيئة العامة لسوق المال درست هذا الموضوع و وضعت بعض الأليات للحد المنافسة الغير مرغوبة، إلا إنني أعتقد أن موضوع عدم فرض أسعار موحدة في المرحلة الأولى قد يؤدي إلى إرباك التجربة برمتها و أتمنى أن يكون هناك إعادة نظر في الموضوع و إعادة دراسة الاحصائيات.
الجانب الأخر من التأمين الصحي وهو جانب الميزات الإضافية هو التغطيات التأمينية الإضافية التي يمكن لأي شركة إضافتها إلى التغطيات الأساسية ، فعلى سبيل المثال لو كانت الوثيقة الأساسية لا تغطي مصاريف الحمل و الولادة و ترغب شركة ما منح هذه الميزة لموظفاتها أو زوجات الموظفين يمكن لتلك الشركة دفع مبلغ إضافي لقاء هذه التغطية التأمينية.
- استخدام التكنولوجيا: لا يختلف اثنان على أهمية استخدام التكنولوجيا لإدارة نظام التعويضات في منظومة التأمين الصحي. و فريق عمل التأمين الصحي يدرك جيداً أهمية استخدام التكنولوجيا و إن كان الحديث في هذا الشق بالذات كان غير مطمئن فهو لم يتم شرحه اثناء المؤتمر و إن كان سعادة رئيس الهيئة العامة لسوق المال قد المح الى هذا الموضوع و أهميته و لكن كان الطرح مجملا.
هناك وجهة نظر مهم أود ختم الحديث بها و هي الجانب الفني، و شهادة ممارسة التأمين الصحي.
التأمين كسائر الأمور المالية ذو طبيعة تخصصية يجب تأهيل العاملين به. و إن كان التأمين الصحي متوفرا كمنتج تأميني الا انه غير الالزامي و جعله ألزامياً سيجعل نمو هذا القطاع منقطع النظير حيث يتوقع ان يصل عدد الذين سيتم تأمينهم عند مرحلة التطبيق الشامل ما يقارب مليونين شخص حسب توقعات الهيئة العامة لسوق المال. و هنا لابد لنا من وقفة تأمل للرقم حيث انه سيخلق أقساط تأمينية ستفوق 100 مليون ريال عماني.
من خلال ممارستنا اليومية نلاحظ قصور التأهيل و التدريب الفني من قبل بعض شركات التأمين للموظفين العمانيين في التأمين الصحي فبالكاد تجد متخصص في التأمين الصحي عماني. راي المهني هو خلق مجموعة من العمانيين و تمكينهم من العمل كمتخصصين في التامين الصحي فنياً (اكتتاب و إعادة تأمين) و تسويقياً و اصدار ما يلزم من تعميمات على قطاع التأمين بحيث تكون الوظائف الفنية و التسويقية للعمانيين قبل ان تتمكن أرجل الوافدين من مزاحمة العمانيين في هذا التأمين الجديد و يحق لنا اعتباره تأمين جديد.
برنامج تمكين التدريبي الذي تشرف عليه الهيئة العامة لسوق المال سيكون عليه لعب دور محوري لتأهيل العمانيين لهذا القطاع الواعد و الجديد.
للمساعدة في ضبط ما اقترحناه يمكن للهيئة و الجمعية العمانية للتأمين دراسة فكرة ” شهادة ممارسة التأمين الصحي الإلزامي” بحيث لا يجوز لأي موظف من موظفي قطاع التأمين بيع التأمين الصحي الالزامي من دون الحصول على” شهادة ممارسة ” و على الهيئة يداً بيد مع الجمعية و شركات التأمين العمل على تأهيل عدد كافي من العمانيين للعمل باحترافيه في هذا المجال الجديد و الوصل إلى مرحلة لا تحتاج فيها الشركات الاستعانة بالكفاءات الوافدة إلا ما ندر، و أنا على ثقة تامة بقدرة الهيئة و قدرة الحريصين على تطوير السوق العماني الوصول إلى المرحلة المطلوبة و مستقبلاً نقل نجاحات التجربة العمانية إلى الأشقاء في دول المجلس.