الكاتب: صالح البلوشي
ماذا يعني أن يزور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو السلطنة ويجري مباحثات مع صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم –حفظه الله – بعد يومين فقط من مغادرة الرئيس الفلسطيني محمود عباس السلطنة؟، فهل هناك مبادرة عمانية للدفع بعملية السلام في الشرق الأوسط إلى الأمام بعد توقفٍ طال أمده؟.
وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد سبق زيارة نتنياهو إلى السلطنة بزيارة استغرقت ثلاثة أيام التقى فيها مع صاحب الجلالة المعظم للتباحث حول القضية الفلسطينية والتعاون القائم بين السلطنة وفلسطين في مختلف المجالات وسبل دعمها وتعزيزها بما يخدم المصالح المشتركة بين الشعبين الشقيقين في السلطنة وفلسطين.
لا شك أنه قبل الإجابة على السؤال ينبغي أولا معرفة موقف السلطنة من القضية الفلسطينية؛ فالجميع يدرك المواقف الحيادية الثابتة التي تتصف بها السلطنة كاستراتيجية ثابتة في علاقاتها الخارجية، وكذلك دعمها اللامحدود للقضية الفلسطينية وجهودها في سبيل دفع المفاوضات السلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى الأمام من أجل إقامة سلام عادل وشامل في المنطقة يحفظ حقوق الشعب الفلسطيني في العيش بدولته المستقلة، وكذلك حق الشعب الإسرائيلي في العيش بأمان بعيدا عن الحروب التي انهكت شعوب المنطقة – فضلا عن الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي – وألحقت خسائر مادية كبيرة بالدول العربية تقدر بمليارات الدولارات، فما فائدة جميع تلك الحروب التي تسببت في مقتل مئات الآلاف من البشر؟ وهل استطاعت الخطابات الثورية أن تعيد شبراً من الأراضي الفلسطينية المغتصبة؟.
لقد كانت القضية الفلسطينية غطاءً وواجهةً لكثير من الانقلابات العسكرية التي حدثت في العالم العربي، فهل قدمت شيئا لفلسطين سوى الأناشيد الثورية والوعود الفارغة التي كانت تنتهي دائما بكوارث على الأمة العربية.
لقد شعر العرب والإسرائيليون منذ بداية تسعينات القرن المنصرم أنه قد آن الأوان للاجتماع معا من أجل التفاوض لحل القضية الفلسطينية والعيش بسلام، ولكن الرياح لا تأتي دائما كما تشتهي السفن، ولذلك واجهت المفاوضات كثيرا من العقبات التي لم تنتهي حتى الآن، وكانت المواقف العمانية دائما بجانب الحق الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، واستقبلت مسقط وفودا فلسطينية كثيرة سواء أيام الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات – رحمه الله- أو في عهد الرئيس الحالي محمود عباس أبو مازن.
ويأتي زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي السلطنة بعد يومين فقط من مغادرة الرئيس الفلسطيني تأكيدا للدور المحوري الذي تلعبه للسلطنة في حل القضايا العربية بالطرق السلمية والحوار البناء وتقريب وجهات النظر بين الأطراف المختلفة . فالسلطنة كما يعلم الجميع تحرص دائما على ضرورة الحوار كأساس لحل القضايا الدولية بما في ذلك القضية الفلسطينية، وجميعنا يعرف دور السلطنة في الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5 + 1 قبل انسحاب الولايات المتحدة منها، فهذا الاتفاق استطاع تجنيب المنطقة حربا نووية كانت تحرق الأخضر واليابس فيها، وحتى بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق فإن أنظار العالم تتجه إلى مسقط من أجل تجنيب العالم مواجهة أمريكية إيرانية – لا قدر الله – وقد نجت السلطنة بالفعل في تخفيف لهجة المواجهة بين الطرفين حتى أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه مستعد للقاء القادة الإيرانيين بدون أية شروط مسبقة.
إن السلطنة من منطق مواقفها القومية تحرص دائما على إبعاد المنطقة العربية ويلات الحروب، واستطاعت بحكمة قائدها المعظم – حفظه الله – أن تجنب شبح الحروب كثيرا من دول المنطقة ، وهذا شيء يعلمه القاصي والداني، أما الخطابات الثورية والمواقف العنترية فإنها لن تفعل سوى جلب المآسي إلى الشعوب العربية.
ولذلك فإن السلطنة عندما حرصت على استقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي؛ فذلك من أجل دفع عملية السلام إلى الأمام من أجل تحقيق حلٍ عادلٍ وشاملٍ للقضية الفلسطينية، أما الذين ينتقدون هذه الزيارة بحجج مختلفة فينبغي أن يعلموا أولا أن السلطنة استقبلت قبل أيام فقط الرئيس الفلسطيني محمود عباس لمدة ثلاثة أيام، وأن الزيارة لا تهدف إلى التطبيع – كما يدعي البعض – وإنما من أجل تقديم رؤية عمانية قادرة على دفع جهود السلام إلى الأمام، وكما قال معالي يوسف بن علوي بن عبدالله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في حديثه لتلفزيون سلطنة عمان بالأمس فإن لقاءات صاحب الجلالة المعظم – أيده الله – مع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي كانت مثمرة، وأن جلالته أقترح عليهما الرؤية العمانية حول عملية السلام في الشرق الأوسط وكانت الرؤية محل قبول واستحسان من الطرفين.
ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه: هل تفعلها السلطنة وتعيد إحياء عملية السلام في الشرق الأوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟ وهل تشهد الأيام القادمة تطورات مهمة في هذا الملف؟ ونترك الجواب للأيام القادمة.